اليمنيون ومنذ القدم وهم يأملون ببناء دولة يسعد فيها الجميع, لهذا سعوا جاهدين في تحقيق ذلك انطلاقاً من نضالهم ضد الإمامة والاستعمار, ظناً منهم أن في الخلاص منهما سينتهي التخلف والظلم والتسلط وسيحل بديلاً عن هؤلاء كل شيء جميل يوصلهم إلى ذلك الأمل المنشود.. ولأجل ذلك قدموا الكثير من الخسائر المادية والبشرية في سبيل الوصول إليه, إلا أنهم وللأسف تقدموا في السن ورحل الكثير منهم عن هذه الحياة دون وصولهم إلى ما ينشدونه, ثم أتى من بعدهم جيل آخر, إن لم نقل من بقوا من أولئك الذين رحلوا؛ هم الآخرون كانوا عازمين في السير على خطى رفاقهم في الكفاح والنضال وجعلوا من ذلك الأمل حقيقة يلتمسها الجميع, وقد كان يمكنهم ذلك, سيما في بداية العقد الأخير من القرن العشرين, إلا انه وبمجرد أن بزغ الأمل حتى تبخر وصار, مع أنهم هم الآخرون قد خسروا الكثير من الأرواح والأموال في سبيل ذلك.
وها نحن اليوم نمشي على درب أولئك الجيلين, حاملين معنا أملهم الذي أصبح مثقلاً بتراكمات هي في الحقيقة مضنية, إلا أن الأمل يبق أملاً وحتماً علينا سنظل ننشد ما كانوا هم ينشدونه.. ونحن الآخرون أيضاً قد خسرنا الكثير في سبيل تحقيق ما نؤمله نحن للشعب والوطن معاً.
في الحقيقة إن ما نسعى إليه وسعوا إليه من قبلنا من السهل الوصول إليه, سيما إذا كان الجميع يؤيدون ذلك ويريدون العيش معه؛ لكنني لا أعلم لماذا الوصول إلى مثل هذا في بلد كاليمن أجده صعباً ومكلفاً؛ فكل ما نؤمله هو كيف نعيش بسلام في هذا البلد, متساوين في الحقوق والواجبات, نحتكم للقانون ونحترم العدالة ونسعى إلى تحقيقها وأن تكون هناك مستشفيات وجامعات متميزة حتى لا تستدعينا الحاجة للسفر إلى الخارج بهذه الكثافة التي نراها اليوم, وأن تكون لدينا كهرباء, بحيث ننام ونصحوا مع الضوء دون انطفاء, وأن يوجد لدينا جيش وطني قوي وموحد يحمي سيادة البلاد, إضافة إلى وجود دولة ديمقراطية حقيقية نسعى من خلالها إلى التنافس على خدمة الوطن والمواطن ولا شيء غير ذلك, بلد تتضاءل فيه البطالة وتزيد فيه الأيدي العاملة, بحيث تكون الصناعة من المرتكزات الأساسية التي يقوم عليها اقتصادنا الوطني, بلد ليس فيه حمل السلاح ولا وجود للثأر ولا نفوذ لشيخ قبلي ويكون الجميع تحت حكم الدولة والقانون..
هذا ما كان يؤمله أسلافنا منذ زمن بعيد ونحن اليوم ما نزال نأمل به ونسعى نحو تحقيقه.. حقاً إنه أمل متوارث، لكنني أتمنى أن يتحقق هذا الأمل في عهدنا حتى تأمل الأجيال القادمة بشيء من الاختراعات والابتكارات العلمية ويسعون نحو تأسيس أدب متميز والتفكير بالعمل بالطاقة النووية والتنقل عبر السكك الحديدية وبناء مراكز الأبحاث.. أتمنى ذلك.