إن الذي ينظر إلى الأحداث التي تلف الثورة اليمنية بعين واحدة، ويحصر تلك الأحداث – سلباً أو إيجاباً - في زاوية واحدة؛ هي الداخل اليمني فإن قراءته أقل ما تتصف به هو القصور أو ضيق الرؤية، إذ لا يمكن بل يستحيل قراءة ما يحدث باليمن وحصره في الرئيسين التوافقيين؛ (رئيس الدولة أو رئيس الوزراء) وضع مفردة (توافقيين) بين قوسين مثلما وضعتها هنا.
إن هذا الضيق في الرؤية يستتبعه ضيق مثله في إصدار الأحكام الجائرة على الثورة التي هي في نهاية المطاف (أنا وأنت) وليس هي مخلوق فضائي جاء يعمل بعصا سحرية ليجعل الواقع زهرياً ووردياً! عندما نضيق أفكارنا ونقرأ الأحداث نحللها أو نفصلها بمقاس الداخل اليمني، فإننا نتهم الثورة أو نتهم أنفسنا بتعبير أدق بالفشل وحسبي الله ونعم الوكيل على مثل تلك قراءة وعلى مثل هذه أحكام جائرة نجور فيها على أنفسنا فمن نحن ومن ثورتنا نحن الثورة أرجوا لا نغفل هذا المفهوم للثورة حتى لا ننقلب على أنفسنا، فنظهر في صورة (التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا) هذا هو حالنا عندما نحلل خطأ ونحكم خطأ والمصيبة أننا نتهم أنفسنا.
فنحن نعلم جميعاً أن هادي هو رئيس مبادرة وليس رئيس ثورة؛ صحيح أن الشعب اليمني اختاره بانتخابات عبر الصناديق، لكنه طريقة إملائية أي اكتب ما يملى عليك وليس ما أنت مقتنع به، في بطاقة الترشيح، وهذا لا يحتاج إلى كثير نقاش. إذا ما دام الرئيس هادي رئيساً توافقياً انتخبته عقلاً ومنطقاً المبادرة التي كانت برعاية دولية وإقليمية، فنصفه يمثل آمال اليمن وتطلعاته والنصف الآخر يمثل حظ الغرب وتمنياته؛ مثله مثل حكومة باسندوة التي أراها /نصف حي/ وعليه فإن هادي صار بين البين؛ أي بين آمال الثورة وإملاءات المؤامرة، وعند ذلك أظن أنه يصبح من العيب –جداً- أن نقرأ أحداث الثورة في اليمن بعين /يمنية/ أو نحصرها في /الزاوية يمنية/ ونعض الطرف عن الخارج /الدولي والإقليمي/.
وهذا الخطأ المنهجي في التحليل يجعلنا نقع في شباك المتآمرين؛ فيصير حالنا الثوار كحال تلك المرأة (التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً). بمعنى أن هذه القراءة الخاطئة -بحسن نية أو بسوئها- تجعلنا نصل إلى نتائج خاطئة أو أحكام جائرة تصب في خانة الثورة لنتهمها بالفشل وقصر الأمل وخيبة النظر. فحسبي الله ونعم الوكيل في مثل تلك قراءة وهذا تأويل؛ فحرام على من شارك فعلاً في الثورة أن يتفوه بمثل هذا -وإن كنت أستبعد الثوار من هذا اللغو في الثورة لأنهم هم الثورة والثورة هي هم، أي أن الثورة ليست مخلوقاً فضائياً هي في النهاية "أنا وأنت /أنت وأنا"
والسؤال: ما المطلوب منا فعله ؟ وكيف نقرأ الأحداث ؟ أقول –مستعينا بالله- إننا عندما نُضِّيق زاوية الرؤية فنحن في الوقت نفسه نُضِّيق مساحة النتيجة، فنتهم البريء (الثورة) أو بمعنى أدق نطعن في أنفسنا -فنحن كما قلت الثورة- والمطلوب أن نقدر الأحداث بقدرها عندها فقط سوف ندرك أن الثورة فعلا عظيمة ! لكن متى ندرك هذه العظمة ؟ سوف ندركها عندما ندرك حجم المؤامرة جيدا ولن ندرك هذا الحجم إلا إذا وسعنا مداركنا للتجاوز قراءة الأحداث حدود اليمن، الثورة عظيمة فعلا وقد كان ينبغي أن تتوج بتحقيق الأهداف لولا أنها توجت بالمبادرة فكانت هذه الأخيرة أشبه بتاج له كلابيب قد عمقت نفسها بإحكام في مخ الثورة فتجعل الثورة تتمايل يمنة ويسرة وهذا التمايل يجعلها تسير ببطء حتى لا تنقلب آهٍ كم هي عظيمة هذه الثورة وكم هي عظيمة اليمن واليمنيون إنها ما زالت تسير على الرغم من ثقل المؤامرة والمكر عليها. لم لا تقرأون قول الله بعمق حتى تدركوا حجم المؤامرة وتشفقوا على الثورة وتعظموها حق تعظيمها (وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ).
هل سمعتم زلزالاً يمسح أو يدك جبالاً؟ لا وألف لا . لكن مكر الأعداء قد تجاوز /عدَّاد/ مقياس ليختر. وإذا كان هذا هو حال الجبال مع مكر المتآمرين فماذا عن حال الثوار ؟ هل عرفتم أننا عندما نقرأ الأحداث بعين بصيرة تتجاوز اليمن؛ نعظم الثورة وبقاءها استمرارها، يصبح نصار بحد ذاته، وعندها يصبح استمرار مرسي رئيسا لمصر في مثل ذلك سياق متآمر دليل كبير بحد ذاته على انتصار الثورة واستمراريتها بغض النظر عما فعله مرسي لمصر، لكننا عندما نقرأ الأحداث /بعين ناظرة/ لا تتجاوز صنعاء وآل صالح والرئيس هادي، وعندما نرى في هذا الأخير أنه رئيسا للثوار فقط وليس ملزما بإملاءات لأنه في الحقيقة رئيس للمبادرة عند كل ذلك لا نجد أنفسنا إلا طاعنين في الثورة، ومثلنا مثل من ينظر بطرف خفي إلى قوله تعالى (لا تقربوا الصلاة) فيترك الصلاة وبتصوره أنه طائع ربه ولو اتسعت بصيرته لعلم أن الله يريد أن يحصر الصلاة وهو كامل الوعي ! فمتى نقرأ الأحداث بوعي مبتعدين عن العاطفة، فاتقوا الله في أنفسكم واتقوا الله في ثورتكم حتى لا تنقلبوا على ضالتكم.
د.حسن شمسان
إنما هادي رئيس للمبادرة وليس للثورة (!) 1275