لقد أحسست وأنا أصغي باهتمام إلى كلمة الرئيس هادي أمام أعضاء مؤتمر الحوار وتوصياته ونصائحه في تواضع ودون تعالٍ أو خيلاء، أحسست يقيناً من أعماق قلبي بأن هذا المؤتمر البسيط في مظهره يحمل في طياته بوادر تغيير عميق في حياتنا وخلقنا وتعاملنا وسلوكنا وأفكارنا, على طريق الوفاق والوئام والمستقبل والتغيير والبناء والثورة..
لقد شعرت بإحساس عجيب بالراحة والغبطة والطمأنينة وبالثقة في تصرفات هذا الرئيس وحكمته وقدرته على توجيه الدفة وخوض الأمواج وتجاوز الأخطار ومواجهة الإعصار والعبور إلى مرفأ الأمان بسلام..
لقد لفت نظري شخصية الرجل المخضرم وأعجبت به عن بعد، وذلك منذ أن ألقى بعباءة سوداء قاتمة ظل لأكثر من عشرين عاماً يتوشحها، ونزع القناع الذي كان يخفي ملامحه القويمة وصورته الجميلة وخرج إلى النور، وتحرر من عقد وشراك الشاوش علي مقلا، ونفض غبار الملوث عن كاهله، فتجلت مواهبه وبرزت ملكاته فاتضحت حقيقته وصدق مشاعره وأصالة معدنه، ومدى إخلاصه وتفانيه وحبه لهذا الشعب العريق والمجتمع الأبي وحرصه الشديد على إنهاء معاناة الأبناء والحفدة والأجيال المتعاقبة وتجاوز أسوأ حقبة مظلمة في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر..
لقد ساورتني عندئذ مشاعر الإيمان بأن الله تعالى ادخره وهيأه وأعده لحكمة في سابق علمه, ليحمل لواء التغيير الثوري والتحدي ويقود مسيرة الثورة الشبابية قدماً إلى الأمام, وكأنه إنما جاء به القدر على ميعاد منقذاً ومخلصاً حسب المؤشرات التي تفصح عن نفسها ولن أتسرع في الحكم النهائي له أو عليه, فالأمور بخواتمها..
لقد تضمنت توجيهاته لأبنائه الشباب الكثير جداً من الحكم والمعاني والجمل المعبرة "هاتوا أيديكم وخذوا أيدينا لنبني اليمن من جديد، ونحقق لأبنائه الرفاهية والرخاء بدل البؤس والشقاء، لنعمل معاً ونواجه مسؤولياتنا بشجاعة، فلا نبدد أمانينا ونضيع أحلامنا ونخيب ظن أبنائنا وحفدتنا من بعدنا".
لندرك أن مرحلة من الكفاح قد انتهت.. ومرحلة جديدة قد بدأت فلنبني وطننا من جديد بالحب والتسامح والفهم المشترك والثقة المتبادلة.. إن أحلامنا لا حدود لها، أحلام عريضة تشمل كل الكون الذي نعيش فيه وتتعدى الأرض التي نستقر عليها إلى الفضاء الذي يهم الإنسان التحليق فيه.. إنها أحلام كل البشر المسالمين الذين يقطنون كل بقعة من بقاع العالم, من أجل مزيد من الخير والسعادة لهم ولأجيالهم ولمن حولهم..
أحلام البشر الذين يعتصرون جهدهم من أجل تحقيق حياة كريمة آمنة لأنفسهم وللآخرين, في عالم مثالي لا تستغل فيه جهودهم من أجل التدمير، ليفني بعضهم بعضاً، ولا تتصارع فيه قواهم.. عالم يحترم فيه الإنسان وتحترم فيه مشاعره ورغباته.. عالم تسخر فيه كل القوى والطاقات والعلوم من أجل الأمن والحب والاستقرار والسلام والوحدة.
لهذا أقول بصراحة ووضوح إن المؤتمر المنعقد اليوم من حيث أبعاده ومدلولاته ومنطلقاته, رغم تحفظي حول تكوينه ودبلجته وانتقائه وبما قد يسفر عنه, إلا أنني للأمانة والتاريخ متفائل, أرى فيه بارقة أمل لعلها تزيل الأوهام وتعيد اللحمة والانصهار بين مكونات المجتمع وتكشف لمن لا يزال حائراً حقيقة المأساة التي عانى منها الجميع خلال العهد المظلم الأسود.
إن على جميع القوى الخيرة التواقة إلى الحرية والتقدم والبناء، العمل على إنجاح تجربة الرئيس ومشروعه السلمي, فلا تخذلوا هذا الرجل الشجاع الذي وضع رأسه على أكفه لكي ينجح تجربته البيضاء المسالمة، التي تحدى بها قوى الظلام من أجل حقنا في العزة والكرامة، وأثبت للعالم أننا شعب يستحق مآثرنا من أجله بلا عنف ولا دماء ولا تبعية وإنما بأسلوب حضاري نابع من طبيعتنا الطيبة والمسالمة.. هذا ولا يكفي لكي لا يخذلوه أن يرفع على الأعناق أو تبح الأصوات بالهتاف له فقط وإنما الوقوف إلى جانبه ودعم مسيرته, وإلا تشمت الغير فيه وفينا..
لقد أسمع صوت اليمن عالياً ورفع مكانته دولياً على مختلف الصعد في المحافل الأممية ومنابر الأمم المتحدة.. لقد رسم ملامح الدولة المستقلة القوية والعصرية وواصل مسيرته في ظروف بيئية بدائية وقوى ساحقة أثقلت عليه من كل جهة، وعمل ما في وسعه ويقوم بالدور الاستثنائي العظيم الذي أسنده إليه القدر, وأثبت أنه من أنصار اللاعنف, فشدني وغيري بتأثير جاذبيته الشديدة وسيواصل رحلته ومهمته رغم كل الصعاب ولن يضيعه الله سبحانه وما تسخيره تعالى للفتى العمري الدبلوماسي الفذ جمال بن عمر إلا دليلاً قاطعاً على أن الله سيمضي إرادته وحكمه لصالح هذه الأمة.. فتحية إكبار وإجلال وتاج فخار على جبين هذا الفتى العمري والفارس العربي الهمام.. وألف تحية والمجد والخلود للشهداء الأبرار.
عبدالجليل حمود أبوغانم
يا من دعيتوا للحوار.. حيوا جمال بن عمر 1543