الحراك الذي بدأ عام 2007م يأخذ شكل التنظيم الاحتجاجي السلمي على السياسات الممنهجة المستهدفة للقيادات والكفاءات والكوادر العسكرية والمدنية ما بعد حرب صيف عام 1994م الهمجية، كان مؤسسه وأبرز قيادته المناضل العميد الركن/ ناصر علي النوبة، وكانت المطالب التي رفعت حينها حقوقية تصب في سياق رفع الضيم وإزالة الظلم وإنهاء سياسة استعلاء المنتصر التي تجسدت في سياسة الإقصاء والتهميش والفيد، وهذا كله كان نابعاً من معاناة حقيقية تخرج عن توجه إصلاح مسار الوحدة.. ومع أن تلك القضايا كان يمكن إيجاد الحلول والمعالجات حينها إذا ما أخذنا بمبدأ حُسن النية واعتبرناها أخطاء غير مقصودة، إلا أن موقف سلطة صنعاء تثبت العكس، وأن المسألة لا علاقة لها بحُسن النوايا، بل تأتي في إطار ذلك التفكير العسكري القبلي المتخلف، الذي لا مكان فيه إلا لمفهوم القوة والغلبة الذي تجسد في الضم والإلحاق، وعبر عن ذلك في العنف الذي واجه به المظاهرات والاحتجاجات السلمية للحراك الجنوبي، غير عابئة تلك السلطة بالدماء التي تسفك والأرواح التي تزهق والشهداء الذين يسقطون، متوهمة تلك السلطة أن بإمكانها إسكات صرخات أولئك المناضلين الذين لم يبالوا بجبروت وعنجهية الإمبراطورية الاستعمارية التي كانت لا تغيب عنها الشمس، وفي طليعة هؤلاء المناضلين القيادي العسكري والسياسي الجنوبي العميد الركن/ ناصر علي النوبة الذي أدرك بوعي الخبير المجرب أن المواجهة مع نظام كهذا لابد أن ينتقل إلى مستوى نوعي تتحول فيه المطالب الحقوقية إلى مطالب سياسية مع الاحتفاظ بسلمية الحراك، ليكون السبب لهذا التحول سلوك وممارسات نظام ما بعد حرب صيف 1994م الظالمة، الذي لم يرفض تلك المطالب, بل أراد وأدها متحدياً الإرادة الشعبية التي أخذت تتسع بدعوات التصالح والتسامح أفقياً بامتداد المساحة الجغرافية للجنوب ورأسياً بتطور أشكال وأساليب النضال السلمي للحراك.. المستوعب لاستحقاقات مطالب شعب آن له أن يقف وقفة رجل واحد أمام سياسة استلاب الجنوب لاستكمال استلاب اليمن كله وأمام عجز هذا التوجه الهمجي العبثي الأحمق في الجنوب عاد إلى استخدام أساليبه الخسيسة والماكرة، دون أن يتخلى عن أعمال العنف والقمع التي استهدف بها القيادات الفاعلة والمؤثرة وكان في مقدمة المستهدفين المناضلان الجسوران ناصر النوبة وحسن باعوم وغيرهما من القيادات الحراكية وصاحب هذا كله بعض النجاح في اختراقاته لصفوف الحراك باتجاه إخراجه عن مساره السلمي وزرع الشقاق والفرقة بين مكونات قياداته لا يأخذ طابعاً يسهل ضربه وإعطائه صورة تشوه الحراك وقضاياه العادلة، لكن كانت الأمور في الجنوب قد تجاوزت هذه الألاعيب وكذا محاولة بعض الأطراف السياسية في الداخل والخارج ركوب موجة الحراك، ولم يكن أمام المناضل النوبة إلا الانكفاء ليعمل بصمت مطمئناً إلى أن القضية التي يناضل من أجلها لا يمكن أن ترتكس أو تعود إلى الخلف، بل هي رغم هذا كله تمضي إلى الأمام، ليبلغ الحراك الجنوبي مسارات الثورة الشعبية السلمية الملهمة بأساليبها ووسائلها ليس فقط الثورة الشبابية الشعبية لليمن كله ولكن أيضاً شعوب ثورات الربيع العربي..
وهكذا هبت عواصف التغيير وأفرزت أحداثها معطيات جديدة على مستوى الجنوب والشمال يمنياً وعلى المستوى العربي، وكان المناضل ناصر النوبة في هذا كله الحاضر الغائب وبلغت التطورات حدوداً استوجبت تداخلاتها وتجاذبانها وتعقيداتها الخروج عن حالة الصمت الذي فرضته تحديات ومخاطر على القضية الجنوبية ناجمة عن مجريات التسوية السياسية للمبادرة الخليجية، ليكون المناضل النوبة السباق إلى دعوة خروج أبناء الجنوب في مسيرات وتظاهرات حاشدة بذكرى يوم إعلان الحرب على الجنوب في الـ 27 من أبريل عام 1994م، تأكيداً لوحدة الصف الجنوبي وعدالة قضيته، في مواجهة تحالف تلك القوى التي أشعلت الحرب ضد الجنوب وأيضاً مواجهة أولئك الذين يحاولون استغلال معاناته وتضحيات ونضالات شعبنا والمتاجرة بقضيته واستثمارها لتحقيق مأربهم ومصالحهم الخاصة.. فكان الرد على موقف صلب مبدئي وشجاع هو باستهداف حياة تلك الهامة السامقة التي بحجم القضية والوطن بمحاولة الاغتيال الجبانة التي شاءت إرادة الله فشلها ورد كيد من يقفون روائها إلى نحورهم في نجاة المناضل الجسور العميد الركن/ناصر علي النوبة، الذي كان وسيبقى القامة والرمز المؤسس للحراك السلمي الجنوبي.
مدين مقباس
النوبة الغائب الحاضر في ثورات الربيع العربي 1653