الظل: هو الذي يلازم الشيء في كل شيء (في الحركة والثبات والحجم، والضيق والاتساع... الخ، لهذا عندما تُوصف شدة ملازمة شخص لآخر يقال عنه: "هو كظله". فالظل يلزم الشيء ويبتعه ولا يزول إلا بزوال أسبابه، كأن تصير الشمس عمودية بالنسبة للأشياء، وهذا السياق لا يدوم طويلا، أو يغشى الليل النهار فيحل الظلام أو ينوب عن هذا الأخير الكثير من الغمام وما عدا هذا فالظل لا يفارق صاحبه ويقل الاحترام.
والشيء هو الحقيقة والظل التابع هو عبارة عن "شبح" زائف قد يخيف الناظرين, لكن حقيقته تظل عديمة القيمة لأنه ليس له حقيقة أصلا إلا صاحب الظل. ولما أراد الرسول - الله عليه - أن يقلل من قيمة الحياة الدنيا في شقها المادي، لم يجد إلا الظل ليجعله "مشبها به" والعلاقة بين الدنيا والظل هنا سرعة الزوال, وقلة الثبات، فالدنيا من زاوية الماديات متقلبة لا تدوم على حال شأنها شأن الظل المتقلب. وهكذا تكون حقيقة الأوطان عندما لا تبنيها أيدي أبنائها باستراتيجيات ذات نكهة وطنية /لا شرقية ولا غربية/ تكون دائماً متقلبة حسب تقلب /الأصل/ الذي تمثله، لهذا تجد الكثير من الاضطرابات وهي اضطرابات ليست ذات مرجعية داخلية؛ لهذا تستعصي على الحلول، وإذا ما أجبر البعض على الحوار تجد أمام ناظريك جسد عجلٍ له خوار.
وبتصوري أن جميع الدول العربية –قبل الثورات- كانت عبارة عن أوطان ظل أو أشباح يلبسها السواد من ساسها إلى رأسها بسب تبعيتها المقيتة إلى قوى خارجية غربية أو شرقية. فمثلا الأوطان التي كانت عبارة عن ظل أو أشباح لمنظومة الاتحاد السوفيتي الاشتراكية قد زالت قوة تلك الدول بزوال ذلك الاتحاد، فهي سنة كونية؛ وقانون صحيح مفاده: /ما بني على باطل فهو باطل/ وما كان ظلا فهو زائل. ولما كانت بعض القوى والأوطان لا تمثل نفسها أو لا تصبغ طريقة حياتها بيد أبنائها، ولا تهيكل إدارتها بإرادتها؛ تصير مثلها مثل ذلك السراب أو الهباء. /لكل فعل ردة فعل مساوية له في المقدار ومضادة له في الاتجاه/ هكذا قالت الفيزياء.
صحيح أن ردة أفعال أوطان الظل قد تساوي أصل الفعل في المقدار, لكنها لا تتضاد معه في الاتجاه، بل تسير معها حيث يسير /مثلما يسير خطامه البعير/
ووطن والظل يجر بخطامه من قبل من يقوده؛ لأنه حينئذ يمثل إقليم من أقاليمه، وهكذا كانت الدول العربية عبارة عن أقاليم تابعة، منها ما يتبع المنظومة الاشتراكية /روسيا/ ومنها ما يتبع المنظومة الرأسمالية /أمريكا/ وبين المنظومتين ضاعت الأوطان وتحولت حقائقها إلى أشباح؛ وصار زعمائها أشبه بكلاب نباح
واليمن –باختصار- لم يشذ عن غيره فشأنه كشأن بقية الدول؛ تقاسمته المنظومتان والنقيضتان؛ فشطره الجنوبي كان ظلا أو شبحا للاتحاد السوفيتي وكان ينبسط هذا الظل طولا وعرضا حسب بسط الأصل يده /قوته ونفوذه/ ولما صار ما صار من تهاوي المنظومة الاشتراكية تهاوى معها أو زال ذلك النظام التابع لها واختفت تلك الأشباح ومن ثم خفت النباح -فالنظام الاشتراكي في الجنوب لم يكن أمام نجمه إلا الأفول! لماذا؟ لأنه لم يبنِ نظامه على استراتيجيات وطنية بنكهة أو حكمة يمنية إنما بناها على شفا جرف هار- حسب ما تقتضيه ظروف المجتمع الدولي ومصالحه –وتحديدا الاتحاد السوفيتي- وإيران -كقوة إقليمية ولاعب إقليمي شيعي- كانت من ضمن تلك المنظومة وذلك الجسد الاشتراكي -مصلحة وسياسة - فهذا فإيران دينها حيث تكون مصالحها؛ لهذا هي ضد ثورة السوريين وتساوت معها هنا أيضا مصلحة الغربيين بسبب مجاورة سوريا الإسرائيليين، وفي الوقت نفسه وقفت إيران ضد وحدة اليمنيين ونجاح ثورتهم، وهي أيضا وراء ما يحصل من حراك يناهض روح الثورة اليمنية.
وما ينبغي أن أشير إليه إلى أن الوحدة نفسها كانت ظلاً أو شبحاً مثل بقية الظلال والأشباح أي لم تكن وحدة حقيقية قامت على استراتيجية فلم يكتب لها النجاح –ابتداء- بسبب أنها كانت عبارة عن ردة فعل لانهيار الاتحاد السوفيتي وانهيار النظام في الجنوب فلم يجد النظام إلا الوحدة, فالوحدة صنعتها ظروف خارجية وليس ملك المملكة الصالحية ! كما روج لذلك المروجون. فلم تكن وحدة مبنية على استراتيجيات وطنية. ولما لم تُبنى الوحدة على أسس وطنية وإنما على خلافات القوى المتضاربة ظلت -قبل الثورة- وحتى الآن رهينة القوى المتصارعة أي ورقة تلعب بها تلك الأطراف الإقليمية والدولية وهو ما نراه اليوم –مثلا - بين إيران والسعودية؛ فالأقوياء دائما تكن لهم أوطان الظل بمثابة طاولة القمار والمقامرة.
وفي الشمال كان الوطن شبحاً أو ظلاً للمنظومة الرأسمالية وهي المضادة للاشتراكية، ولما كان النظام الاشتراكي لا يدين بالولاء للقوة الرأسمالية التي انفردت بالملعب الدولي لوحدها كانت الرأسمالية مع الوحدة اليمنية مع أن هذه الأخيرة تقض مضاجعها, لكنها في النهاية مصلحتها فلا يهم أن يتحد البلدان تحت قيادة واحدة تدين لأمريكا وحلفائها بالولاء التام، وهنا لم يحصل بين علي البيض المدفوع وعلي المخلوع أي انسجام وهنا لا ننسى اللاعب الإقليمي /السني/ "السعودية" وهكذا كان كل ما يحصل في بلادنا اليمن عبارة عن ردة فعل اشتراكية أو رأسمالية ولم يكن للفعل اليمني أو الحكمة اليمنية أي دور فيه. ولما كانت كذلك لم تكن لها إرادة ولا ريادة، وكانت أشباح تعيش بين الأزمات والظلام. وهذا الوضع ما كان له ليتغير كثيراً وبتلك السرعة..
صحيح أن ثورات الربيع جاءت لتغير وضع التبعية المفرطة والمفرطة في حق شعوبها؛ لكن لا ننسى أن الوطن كان ظلاً زائفاً وتحويله حتى يصير حقيقة ليس بالمنال السهل؛ فما زالت أحلال الربيع بين حرٍّ وتابع أو وتبيع.
د.حسن شمسان
أحلام الربيع 1406