أربعة أسابيع ومجمع المحافظة مغلق من قبل جماعة مسلحة تتمنطق الكلاشينكوف والـ"ار بي جي" مانعة الدخول إلى المبنى الإداري، نعم أفراد لا يتعدى عددهم أصابع اليدين ومع ذلك يحاصرون مقر السلطة المحلية ومكاتب الوزارات - بما تعني من رمزية ومهابة وسلطة وقوة – وكأن ما تشاهده بعينيك ليس إلا مشهداً حزيناً ومأساوياً من فيلم هندي سرعان ما يزول ويختفي وبمجرد ظهور البطل.
شهر كامل ولا أحد بمستطاعه مباشرة عمله المعتاد، لا أحد بمقدوره ممارسة مهامه وواجبه، لا جهة بمستطاعها سحب وتحرير كشوفات ومرتبات موظفيها، لا أحد: لا محافظ, لا سلطة محلية, لا جيش, لا أمن, لا حكومة, لا دولة يمكنها وقف العبث الحاصل في مدينة الضالع والقرى المجاورة لها، كيف ولماذا ولمصلحة من هذا القتل والعبث والتخريب وزعزعة السكينة ؟ لا تجد إجابة شافية ومقنعة.
ثلاث سنوات تقريباً ومشروع مياه الشرب لمدينة الضالع والقرى الواقعة على طول إمداداته متوقف نتيجة مجموعة مسلحة عابثة بمضخات وآبار مصدر المياه في حقل حجر، عشرة أعوام ومشروع الصرف الصحي محلك سر ما بين توقف وتعثر، ثمانية أعوام وأسواق وشوارع وأحياء مدينة الضالع غارقة بطفح المجاري وبشلالات وبحيرات المياه القذرة المتدفقة الأسنة وباطنان من القمامة والنفايات المتكدسة في ناحية وزاوية.
سنوات خمس عجاف على مجيء القائد الهمام ابن الضالع الأبية اللواء ركن بحري علي قاسم طالب فيما الضالع وأهلها في عهده الميمون تعاني مأساة إنسانية وصحية وبيئية وأخلاقية وتنموية وشعورية ونظامية، ثلاثة أعوام والبيه المحافظ بالكاد وظيفته انفاق مال الموازنة المعتمدة للانتقالات والضيافة والبترول والطوارئ وسواها من البنود التي يتم صرفها بحنكة وقدرة فائقة وطرق ملتوية يعجز الشيطان عن فهم ومعرفة دروبها، القليل من الوقت إما في اجتماع شهري أو اعتيادي أو انه مواظب في قلعته العتيدة " المنزل ".
أخي المحافظ الأعجوبة: إذا كنت هكذا ودونما قدرة على مغادرة منزلك إلى مكتبك الواقع في نطاق المجمع الحكومي؛ فعلامَ أنت محافظ ؟ إذا أنت بهذه السوءة والعجز فلماذا لا تستقيل حفظا لما بقي فيك من كبرياء وتاريخ ؟ إنها مجرد جماعة مسلحة خارجة عن النظام والقانون فكيف سيكون الحال إذا ما كانت هذه الجماعة بشراسة وقوة وتنظيم انصار الشريعة أو الله أو القاعدة أو القبيلة؟
كنا في الأمس نهزأ ونخجل من القبائل إذا ما هاجمت خطوط الكهرباء أو خطفت سائحا؛ فصرنا نمارس الهمجية وبطرق سافرة فظة مخجلة وكأنما نحن أشبه بقطيع بشري ينتمي لحقبة الكهف والناقة.
أخي المحافظ: لا تنمية تحققت في عهدك المجيد، لا مشروعات جديدة ستضعك في مكانة لائقة، لا أفكار لا توجهات لا حلول لا ملفات لا طموحات لا أحلام لا دولة لا امن لا نظام لا وجود للدولة التي يفترض انك تمثل سلطتها وهيبتها؛ فماذا بقي لك إذن حتى تبقي متشبثا مستميتا بمنصب المحافظ ؟ نابليون بونابرت له قوله شهيرة مفادها: مئة حمار يقودهم أسد خير من مئة أسد يقودهم حمار " لا أعلم أيهم نحن وأيهما أنت، ليتنا بحق كنا حُمر مستنفرة خلف أسد! ليتك لم تكن ذلك الحمار الغبي والجبان المهزوم الذي من سوء طالعه أنه فاقد الإحساس والثقة بكونه على رأس جيش من الليوث لا قطيع من البغال.
الأخ / رئيس الجمهورية.. الأخ/رئيس الحكومة.. الأخ/وزير الإدارة المحلية.. الإخوة رئيس وأعضاء هيئة مؤتمر الحوار الوطني.. نناشدكم جميعا بسرعة اتخاذ القرار حيال هذه الوضعية البائسة التي تعيشها المحافظة منذ تقلد واحد من رموزها الأبرار مقاليد السلطة فيها، فلا يخفى عليكم اليوم ما وصلت له المحافظة من شلل وغياب تام لسلطات الدولة الإدارية والقضائية والأمنية.
فمع سوءة الحالة ورداءتها؛ لا يبدو أن محافظها من النوع الذي يمكنه ادراك ومعرفة ماهية سلطته ومسئوليته إزاء كارثة ومحنة يعيشها أبناء الضالع فيما صاحب المقام الرفيع غير مبال أو مكترث بشيء سوى نفسه ومكسبه وكرسيه الذي لا يجب التفريط به ولو اقضى الأمر الاعتكاف في بيته وقطع اتصالاته بكل فضولي وحريص يطلب منه ممارسة سلطانه على ثلة قتلة وقطاع طرق ولصوص ومستهترين وعابثين.
نناشدكم الله والمسئولية والواجب والضمير بحل عاجل وسريع للوضعية القائمة الناتجة في الأصل عن إخفاق وفشل الرجل الأول الذي للأسف كان أدائه صادما مخيبا لأمال أبناء الضالع الذين وبعيد هذه السنون العجاف الخالية من أي منجز حيوي ومهم يجدون انفسهم يفرطون بكل حق مكتسب لهم؛ بل وعلى وشك خسارة كل شيء الدولة والنظام والسكينة والوظيفة والمعاش والحياة والأمن والأخلاق والنضال والتاريخ ووو.. إلخ.
عصابة لا يزيد عددها عن عشرة أو عشرين، ومع قلة حجمها وحيلتها مقارنة بسواها من جماعات الإرهاب والضلال والتخريب في أبين وشبوه وحضرموت وعدن ولحج ومأرب وصنعاء وصعدة؛ لم يحرك المحافظ ساكنا، يسأل العامة وبحيرة وحسرة عن مبرر وجيه ومقنع يحول دون استخدام المحافظ لسلطته فيأتي الجواب ملفوفا بالبلادة والعجز: المحافظ حريص جدا على وقف فتنة نائمة ستوقظ مع أول قطرة دم معفرة ".
تسأل بعفوية وسذاجة قائلاً: ولكن الأرواح تزهق بكل لحظة والدم يهرق، والصوص ينهبون ويسرقون ويقتلون ويحاصرون ويدمرون، والموظفون مهددون بقوت رزقهم؛ فماذا نسمي هذه القرابين المزهقة وبوتيرة لا تنقطع؟ تأتي الإجابة ملفوفة بالشك والسفور والفشل: ليحاصروا المحافظ، وليقتلوا ويسرقوا ويعبثوا؛ فقيادة المحافظة لن تتورط في مواجهة مسلحة قد تفضي لنهاية غير محمودة".
خلاصة الكلام؛ محافظة الضالع في حاجة قصوى لمحافظ جديد وقوي ومدرك لسلطته وواجبه ومسئوليته، فليس هنالك ما هو أسوء من فقدان بوصلة القيادة وفي حالة شديدة العتامة والهرولة، فإذا كان القائد العسكري قد اخفق في إدارة دفة محافظة لا تعاني من إرهاب أو فلول نظام أو مراكز قوى نافذة بقدر ما مشكلتها كامنة بجماعات مسلحة فوضوية عفوية؛ فكيف ينتظر منه إعادة الحيوية والنظام والفاعلية إلى أبنائها المحبطين القانطين بكفاءة محافظهم العسكري العتيق كي يكون مخلصهم ومحررهم من وضعية مزرية هو صانعها ومنتجها دون منازع..
عبدالعزيز صويلح
الضالع.. محافظة بلا محافظ يارئيس 1387