لاحظ اليمنيون منذ اليوم الأول أن هناك صراعاً على تقاسم الثروات والأنصبة داخل هذه الحكومة والذي بدوره كما رأينا انعكس سلباً على أداء حكومة الوفاق وشاهدنا تشكيل كوتا من قبل عدد الوزارء المحسوبين على أطرف محددة داخل الحكومة ومن ثم إتخاذ عدد من القرارات منفردة، ولم يدرك هؤلاء أنهم سيفتحون الأبواب على مصراعيها لجر البلاد لاقتتال داخلي بحثاً عن الحكم مجدداً، ومن ثم ستتمكن القوى الإقليمية والدولية من بسط كامل سيطرتها ونفوذها عبر تأجيج النزاع الداخلي في الشمال والجنوب على حد سواء, فالانقسامات القبلية وغياب الأمن حتى داخل المدن الرئيسية في البلاد وفي ظل حكومة تفتقر للخبرة ومغرقة بالفساد والمحاصصة وتمارس القمع، والكثير من الأسباب تدعو لتوسيع قاعدة جماهيرية لتشكيل حكومة قوية ذات قاعدة عريضة من الكفاءات والخبرات بعيداً عن الأحزاب المختلفة التي فشلت فشلاً ذريعاً في تشكيل حكومة حقيقية بعيدة عن قوى النفوذ والمحاصصة، وذهبت في طريق البكاء والعويل في الظاهر, لكنها دمرت اقتصاد البلد بمنحها ثروات اليمن للمتنفذين ومقربين منها في باطن الأمر, وكذلك بقائها بداخل العاصمه بينما معانات الناس في المدن والمحافظات زادت حدتها أكثر من أي وقت آخر.
ما من شك بأن الحديث عن فشل حكومة الوفاق الوطني في المهمة التي أوكلت لها منذ تشكيلها العام ٢٠١١م ما يقرب من عامين مضت وحكومة الوفاق لم تحدث أي تقدم يذكر على مختلف الأصعدة، الوضع الاقتصادي والخدمي لا يزالان هما الأسوأ، فالأول مازل في حالة ركود ولم يشهد انتعاشاً أو يتعافى وتدهور قيمة العملة ظل متأرجحاً صعوداً ونزولاً ودخول الأفراد لم ترتفع أو تتحسن في الوقت الذي ارتفعت فيه قيمة المشتقات النفطية وماصاحب ذلك من ارتفاع في شتى السلع والمواد الغذائية ووسائل النقل التي شهدت ارتفاعاً يفوق الــ ٦٠%.. الجانب الخدماتي لم ير أي انتعاش ولم يتم تطوير البنية التحتية، فقطاع الكهربا بات اليوم أسوأ من السابق، الأمر ذاته مع الصحة والأمن اللذين أضحيا من أكثرالمتأثرين ولم يتم تطويرهما وتحديثهما بالشكل المطلوب, عجز الموازنة العامه للدولة تضاعف بنسبة كبيرة خلال العامين الماضيين ننتيجة الظروف التي مرت بها البلاد أثناء ثورة الشباب، وقتها استنفد النظام السابق أموالاً طائلة من خزينة الدولة ومنا الإحتياطي النقدي، لكن وبقدوم الحكومة المعينة بموجب المحاصصة لم تستطع إنعاش الوضع الاقتصادي الذي عاش مرحلة ركود وما برحت تعلق فشلها بشماعة النظام السابق, وأضاعت كثيراً من فرص الدعم المقدم لها من عدد من الدول التي تطلب من أي حكومة تقديم دراستها فيما ستنفق تلك الأموال.
وكما أشرنا فإن هذه الحكومة كانت عبارة عن محاصصة بين الأحزاب والتي أزيح واستثني منها شباب الثورة الذين بموجبهم جاءت حكومة الوفاق ولم يكن لها أي رؤية حقيقية وجادة لاستثمار أموال المانحين وإخراج البلد من حالة الركود والطفرة الاقتصادية، بل ظلت لم تراوح مكانها في إطلاق الأعذار وحتى أنها كانت تتعمد الكذب في أحيان كثيرة على مواطنيها.. أسباب كثيرة تدعو لترحيل باسندوه وحكومته إذا فكر الشعب اليمن في أداء وانجازات هذه الحكومة بعيداً عن التفكير بأعين المشائخ والمتنفذين, ويعقبها تشكيل حكومة تكنوقراط من أصحاب الكفاءت والخبرات بعيدة عن الأحزاب والمناطقية وكذا المحسوبيه لمنطقة محددة بعينها، لا يهم إن كانت من شمال الوطن أوجنوبه بقدر ما تكون نزيهة ولها خبرات ومشروع اقتصادي ينعش وضع الوطن ككل، خصوصاً مع عودة الالاف العمالة اليمنية من الأراضي السعودية وهذا بدوره يشكل عقبة أخرى في طريق النمو الاقتصادي.. وإذا ما تذكرنا الأزمة الاقتصادية التي حدثت العام ٩٠م عقب عودة ما يقرب مليون مغترب يمني تم ترحليهم من دول الخليج، بسبب تأييد الرئيس السابق لاحتلال الكويت..
إن حكومة ما يدعى بالوفاق لم تحقق طموحات وآمال مواطنيها والتي شكلت لهذا الغرض وبناء على ثورة الشباب، كما أن هامش الحرية شهد تراجع أيضاً وشهدنا حكومة الوفاق تحاكم الكتاب والصحفيين، في الوقت الذي دمرت فيه جل الخدمات الرئيسية ولم يشهد البلد أسوأ فلتان أمني كما هو حاصل اليوم.. ولعل خير دليل على فشل حكومة الوفق أيضاً هو ذاك التصاعد والتوتر ضدها من قبل كافة التيارات والقوى التي باتت ترى منها مجرد بوق وأداة يتحكم بها نافذون.
ويتضح مما سبق، أن الخاسر الأكبر من فشل هذه الحكومه هو الشمال قبل أن يكون الجنوب، فجميع المؤشرات تنبه إلى أنه مقبل على صعوبات جمة قد تفرز سيناريوهات تراوح بين الفوضى والحرب على الاستئثار بالحكم؛ مالم تعدل الحكومة من سياستها لمواجهة هذا الوضع.. وعليه يرى البعض، بأن الحكومات المتعاقبه تسعى دوماً لحشد جهود المجتمع الدولي للعمل على مساعدتها عبر تحويل الأموال دون مراقبة أين تذهب تلك الأموال وفيما تنفق..
فيما كان يؤمل بعض المراقبين بأن الحكومة الجديدة ستسعى منذ اليوم الأول لبناء قدرات الدولة الجديدة وبناء جيش نظامي قوي وموحد، وتسري عجلة التنمية فيها، وتقديم الخدمات الضرورية لمواطنيها؛ فضلاً عن بسط الأمن، والعمل على عدم إثارة الصراعات سواء القبلية وحتى تلك المتعلقه بمراكز النفوذ على السلطة والحكم.. وكما أن تنمية الجنوب وتطويره عن طريق تقديم الدعم الغير محدود لهذا الجزء من الوطن والذي حرم لسنوات طويلة من أية مشاريع حقيقية في شتى مناحي الحياة خصوصاً وأن 80% من ميزانية البلاد تأتي منه، لا يقل شأناً أسوة بالشمال على أقل تقدير من خلال ما شهدته العاصمه صنعاء خلال السنوات الأخيرة من انتعاش في البنية التحتية، بينما تحولت عدن إلى قرية نائية لاينظر إليها أحد؛ وكما نؤكد فإن تقوية الدولة وتنميتها هي الضمانة الوحيدة لبقاء أي دولة قوية ومستقرة.
ومن هنا فإنه لاتزال هناك الكثير من القضايا الحساسة، التي ينبغي إعادة النظر فيها والتفاوض بشأنها والتي من بينها النفط بمختلف مشتقاته وكذلك الثروة السمكية وغيرها من الثروات, إذ كان ينبغي على حكومة باسندوة أن تعيد توزيع حصص الثروة في الجنوب وفقاً لأسس جديدة غير تلك التي حرمت الجنوب من الاستفادة من خيراته طيلة الفترة الماضية منذ عقب حرب صيف العام 94م, كما ينظر الجنوبيون إلى أن تلك الحكومات أرهقت الاقتصاد الوطني بالديون والقروض المستحقة على اليمن، والتي تقدر بمليارات الدولارات، والتي تثير جدلاً واسعاً؛ فالجنوب يرى أن حكومات الشمال المتعاقبة أنفقت أموالاً طائلة على التسلح منذ بعيد الحرب على الجنوب وتركت قطاعات التنمية.
واليوم تحول الشمال إلى ساحة تنافس وصراع بين عدد من القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية العربية, إيران, قطر وتركيا، وقد ينساق خلف هذا الصراع ويصبح لا حول ولا قوة له، ويعود ذلك بسبب تحول الحكومات لأداة لاستقطاب أموال المانحين والذي تم توظيفه لأغراض السيطرة على زمام الأمور في هذا البلد؛ فضلاً عن أن هذه الصراعات والاستئثار بالحكم يزيد من مطالب القوى الجنوبيه التي لا زالت تؤمل في بقاء اليمن موحداً للدعوة لانفصال الجنوب صراحة، رغم أن الداعين للانفصال باتوا أكثر من غيرهم في ساحات الجنوب إذا لم تتحرك القوى الشمالية للدعوة لإسقاط حكومة باسندوة كما تم إسقاط حكم صالح وحتى بين أبناء الشمال أنفسهم، لأنها تستهلك الوقت ولم تؤدِ الغرض المطلوب منها بكل أمانة ومسؤولية واتجهت لإبرام المناقصات والعقود مع المتنفذين القريبين منها بدرجة رئيسية والذين كانو ذات يوم من بقايا النظام، مديرة ظهرها لقطاعات البناء والتشيد. في ذات الوقت يريدون أن يظل الجنوب استقطاعية تابعة لهم ومعتمدين عليه حتى الرمق الأخير بينما عدن كبرى مدن الجنوب وعاصمته السابقة تغرق في الظلام لساعات طويلة صباح مساء في أسوأ موجة حر.. وانقطاع المياه بعدد من مدنها، بسبب شحة الدعم المقدم لمؤسسة المياه بعدن التي لا تجد قيمة الوقود ومرتبات موظفيها وقد تتعرض هذه المؤسسة العريقه للانهيار ما لم يتم تدارك الأمور من قبل الرئيس هادي بتقديم الدعم الكافي لانتشال مؤسسة عدن للمياه من حافة الانهيار..
وأضحت خيراته من النفط هوالمحرك الرئيسي والرافد لاقتصاد البلاد، وإن جل النفط يأتي من حقول الجنوب، وقد يؤدي انفصال الجنوب في يوم ما إلى فقدان الشمال لمورد اقتصادي رئيسي تقوم عليه الموازنة العامة للدولة، بل يشكل الجزء الأكبر من الدخل القومي منذ تصديره وتعتمد الميزانية الحالية بنسبة70٪ منها على العائدات النفطية.
إن حكومة باسندوة أعلنت مقاطعتها للجنوب بصورة واضحة منذ اليوم الأول لتشكيل الحكومة ولم نر وزيراً منهم ينزل لأي محافظة جنوبيه لتلمس هموم مواطنيها واحتياجاتهم عدى قلة لا يتعدون أصابع اليد الواحدة من وزارء الوفاق، كيف لا وباسندوة وحكومته لم يزوروا عدن سوى مرة واحدة بمناسبة ذكرى الــ30 من نوفمبر العام الماضي ولم نر أي مشاريع لهذه المدينة التي حرمها نظام صالح في السابق من كل المقومات التي تجعل منها مدينة وها هو باسندوة وحكومته يعيدون نفس سيناريو صالح وتذكيرنا بحكمه على الجنوب وكان سبباً في تفجير شرارة الحراك الجنوبي.. حكومة الوفاق ذاتها كما فعلت مع الجنوب تحتجب على الشمال أيضاً وتحرمه من جل المشاريع، فما الداعي من بقاء حكومة مثل تلك؟!.
إن الشمال تاريخياً لم يسهم في انعاش الاقتصاد الوطني وهو الذي كان معتمداً بدرجة رئيسية على الدعم السعودي لميزانيته, ولم تنشأ أي محـاولات في عهود سابقة لعمل أية تنمية حقيقية، وكونه جعل من البلاد مرتعاً لاستقطاب أموال الدول المانحة.
ماهرالشعبي
عدن قرية نائية 1780