;
بسام وديع الشميري
بسام وديع الشميري

الجسد المشلول... لن ينفعه العكاز 1864

2013-04-23 17:58:25



في إحدى المرات جذبتني كلمات جميلة ومعبرة في أحد المواقع الإلكترونية لم أستطع معرفة قائلها جاء فيها: " تكون السفن آمنة عندما تكون رأسية على الموانئ، ولكن السفن لم تصنع لهذا، انطلقوا إلى البحر وافعلوا شيئا جديداً "، عندها وبعد مرور الأيام رُحتُ أُسقِط معناها بهدوء تام على الأوضاع والمستجدات الراهنة لعلي أصل لفهم دقيق وعميق لمتغيراتها المتواترة باطراد شديد ولعلي أجد حلولاً مقنعة وجذرية لمجموعة من التساؤلات تطقطق بشدة داخل عقلي تكاد تفتت وتحطم جدرانه، عندها ارتأيت أن أخفف الضغط المتزايد عليه وأمنعه من الانفجار المدوي وقررت أن أفرغ في هذه اللحظة وأبدد الدوامة أو يمكن تسميته بالإعصار الذي يعصف بجميع حواس الجسد في سطور هي عبارة عن خليط من الاستفهام والتعجب، الحيرة والهم، الحزن والغضب، الغموض والوضوح، الفوضى والتنظيم في آن واحد.
إن ما يعتصر قلبي وخاطري ووجداني ليس فقط فيما سأسرد من عبارات وجمل في هذا المقال، بل يمكن القول إنها مصفوفة من التساؤلات والتعقيدات التي تبحث عن إجابات منطقية شافية ,أصبحت الشغل الشاغل لديّ ولدى العديد من الشرائح المجتمعية في بلدنا والبلدان العربية الأخرى، مصفوفة فوضوية تحتاج إلى إعادة لملمة وترتيب، حتى وإن كانت هذه الفوضى بحد ذاتها تمضي بصورة منظمة، ولست هنا في محل استعراض للجمل المركبة المعقدة الفهم كي أنقل مواهبي وأسلوبي في الكتابة والصياغة، فلست بكاتب ولا أديب ولا مفكر، مجرد إنسان يبحث لنفسه ولغيره عن خطوط واضحة ومفاتيح غير مستنسخة تمكننا من الولوج في فضاءات مفتوحة للبذل والعطاء والعمل الجاد، تحكمنا نظم توجهنا للصواب وتردعنا عند الخطأ وتضمن لهذا العمل الديمومة والبقاء، واستمرار هذه التعقيدات واستفحالها سيحولنا جميعاً إلى أناس مجردين، والتجريد هنا لا يقصد به انتزاع المبادئ والقيم اللصيقة بنا منذ نعومة أظافرنا وبأن نسقط في وحل أو مستنقع قذر يستحيل أن ننظف بعده كما حدث مع بعض أبناء جلدتنا ممن سبقونا وما زالوا يمضون بنا ومعنا إلى هاوية سحيقة تتيح لأقوى الأقوياء بل وأضعف الضعفاء بأن يقفل بكل سهولة فوهتها ويحبسنا في غياهبها المظلمة إلى أن يرث الله الأرض وما عليها إن لم يكن خبث نواياه سيدفعه لأن يدفننا فيها بعد الانزلاق مباشرة، ولكن التجريد الذي أعنيه هو تجريد الجسد من الحركة، أي أن نُشل، قلب ينبض وعقل يفكر ولكن دون حراك، شلل جزئي أو شلل كلي، أما الشلل الجزئي فأعراضه بدأت بالظهور، بعض الأيدي والأرجل منملة وخدرة وبعض الألسن بدأت تثقل داخل الأفواه أصبحت تميل وتعوج، بل ربما نكون مشلولين فعلاً بصورة جزئية ونحاول أن نواسي أنفسنا ونظهر لأحبائنا قبل أعدائنا أننا ما زلنا أصحاء متعافين وبأنه عارض صحي بسيط وإرهاق بعد عمل مضني وشاق سيزول نهائياً وبصورة تلقائية بعد أن نأخذ قسطاً من الراحة، أما الشلل الكلي فأعراضه أشد وأقسى من الشلل الجزئي، فتأثيره يمتد على طول الجسد وعرضه، يبقيه ممدداً طريحاً، يرى من خلال عينيه أموراً خاطئة سيمتد تأثيرها عليه وستتجاوزه لتصل إلى غيره وحواسه الأخرى لا تقوى على ردعها أو تجنبها على أقل تقدير، وأمل الشفاء منه ضئيل قد يمتد لمدى الحياة، إلى ساعات الغرغرة والزفرات الأخيرة وانتزاع الروح.
صحيح أن المشلول يبقى قادراً على التفكير وتحليل الأمور ووصف الأحداث من حوله، ولكن ما الفائدة من تفكيره وتحليله ووصفه هذا وهو لا يستطيع أن ينطق بها ولا يقدر على تطبيقها عملياً وأن يجعلها واقعاً ملموساً يسد بها رمق الشرائح المعدمة، فالطاقة الكامنة بداخلنا لن تطلق إلا إذا كانت لدينا رغبات حقيقية وجادة في مساعدة الآخرين وخدمتهم. المشلولون المقعدون كثر، وما هم فيه من شلل كان نتاجاً طبيعياً لتهربهم المستمر من تحصين أنفسهم وعدم الاعتناء بها جيداً وإجهادها بسباقات متواصلة خاضتها لتعود عليها بالربح والشهرة واعتلاء الصدارة لا غير، إن ارتضى هؤلاء بالبقاء في عجزهم ومرضهم فهذا شأنهم، أما أن ينقلوا عدواهم إلى أناس أصحاء وسليمين فهذا جنون بأعلى مراتبه، فالوباء القاتل لا بد من احتوائه سريعاً وتداركه كلياً وإلا فإن عواقبه ستكون أكثر من كارثية.
إن الإصابة بعارض طفيف عليه ألا يجعلنا نستسلم أو أن ننتظر يداً بيضاء أو سوداء لتنتشلنا بطريقتها من بين أنقاض انفجار ربما ساهمت بصمتها أو بإشرافها المباشر على حصوله، وألا نظل نتحجج ونتمسك بضعفنا وعدم مقدرتنا على النهوض، حيث يقول مخترع المصباح الكهربائي توماس أديسون : " ضعفنا الأكبر يكمن في الاستسلام، وأكثر الطرق المؤكدة للنجاح هي أن نحاول مرة أخرى". الخوف الأكبر ليس في تحسرنا على ما مضى، بل من أن نبقى دائماً مترددين، ننتظر الساعات الطوال ونمني على أنفسنا فرص قد تأتي أو لا تأتي متوافقة مع أهدافنا وطموحاتنا النبيلة التي دائماً ما نتغنى بها وننشدها لنا ولغيرنا منذ الوهلة الأولى التي بزغ نورها وحلقت راياتها، وأعظم الخوف أن نقوم بتجربة وتطبيق ما أثبتت التجارب أنه غير مجدي وفعال، وأن نعالج أخطائنا السابقة بنفس الأساليب والأجساد المنحنية المعلولة التي أوقعتنا فيها، بل علينا الاعتماد على أجساد شابة متعافية قادرة على خلق فرص جديدة يمكن استغلالها استغلالاً جيداً نفعها يعود على الجميع دون استثناء لا أن تبقى محتكرة ومتداولة بين فئة على حساب الفئات المتبقية، فمصيرنا لا يمكن أن نتركه لمسائل الحظ أو المصادفة إنما هو اختيار، إما أن نختار جسداً بأعضاء متكاملة ومتعافية، أو نختار الاستسلام للشلل والعجز، وحينها سندرك أن الجسد المشلول لن ينفعه العُكاز.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد