اليمن, شعباً ونظاماً وثورة وحواراً ومرحلة, على عتبات الدولة الاتحادية الفيدرالية, فيما وزراء حكومة الثورة لا يبدو من ممارستهم لسلطاتهم المؤقتة الممنوحة لهم بأنهم أفضل من أسلافهم الوزراء الذين أداروا البلاد بعقلية ومنطق الإمام وسلطانه المطلق, غير قابل بمشاركة أحد فيه..
فبرغم أن وزراء حكومة الوفاق هم نتاج حالة ثورية هدفها الأول إسقاط هيمنة المركز ورفض استئثاره الفج والعنجهي بكل مقاليد السلطة والقوة والقرار؛ إلا ان ما نشاهده, وبعد كل هذه الثورة والتضحيات المجترحة في سبيل الخلاص من سلطة وهيمنة الإدارة المركزية, في الواقع لا يوحي بثمة تبدل أو تحول يمكن الاعتداد به هنا باعتباره من مكاسب ثورة التغيير، بل وعلى العكس من ذلك؛ إذ رأينا عجب العجاب ومن وزراء محسوبين على المعارضة وقوى الثورة..
فهذا وزير المالية مثلاً يتشبث ويستميت لأجل انفاذ قراره وسلطانه ولو استدعى الأمر وقف نشاط واعتمادات ومرتبات المحافظات، لا أعتقد أن المسألة تتعلق هنا بحرص واحترام للنظام والقانون، وإنما يمكن وصفها بلوثة مرضية نعاني منها جميعاً وبلا استثناء، فكل واحد منا وبمجرد وصوله لموقع السلطة والقرار إلا وتجده يديره بعقلية الملك لويس السادس عشر, القائل يوماً:" أنا الدولة والدولة هي أنا ".
وهذا وزير التربية والتعليم قائلاً:" لن أعترف سوى بالمدير المكلف من الوزارة، ولن أتعامل أبداً مع مدير عام كلفه المحافظ شوقي".. كأني بالوزير الأشول قائلاً: لتتوقف الدراسة ولتغلق المدارس إلى أن يسقط قرار المحافظ وإلى أن ينفذ قرار الوزارة والحكومة المركزية.
دعونا نتحدث بشفافية وصدق ودونما عصبية وانفعال، فعلى فرضية مخالفة محافظات إب وحجة وتعز للقانون والنظام ولوائحه المنظمة لشغل الوظائف محل الخلاف بين المحافظات والوزارات، كما ولنفترض جدلاً بتجاوز سلطة المحافظات لصلاحياتها واختصاصها المحددة لها في قانون السلطة المحلية ولوائحه المقننة لعملها ومهامها ومسئولياتها!, فهل يعني إصرار السلطة المركزية على تكليف وتعيين مسؤولين فاسدين أو موالين؟.
قبل أيام أجرت قناة " يمن شباب " لقاءً مع محافظ تعز شوقي احمد هائل، ما لفت نظري ودعاني لكتابة هذه الأسطر هو تلكم الأفكار والأجندة والتوجهات التي بلا شك ستكون بمصلحة هذه المحافظة وأبنائها في حال وجدت طريقها للتنفيذ.. والرجل يتحدث عن مشكلة مياه الشرب وما بذله من جهد بمعية وزير المياه والبيئة مع الحكومة السعودية لأجل تنفيذ مشروع تحلية مياه البحر الأحمر خلال العامين القادمين، وكذا عن مشكلات المحافظة المختلفة وما يملكه من أفكار ورؤى وحماسة، ذكرني بالفقيد/ صالح قاسم الجنيد حين تم تعيينه محافظاً للضالع نهاية 99م, فالمحافظ الجنيد كان مدهشاً بما لديه من أفكار وتوجهات وفوق ذلك حماسة وعزيمة وفعلاً قلما تكرر ثانية؛ بل أجزم أن ما حققه المحافظ الجنيد وفي ظرفية ثلاث سنوات بات لعنة على خمسة محافظين، وإحدى عشر سنة مرت من عمر المحافظة المعلنة يوم 28يوليو 98م, فيما مشروعات تنموية وضرورية من حقبة الثلاث سنوات ذهبية مازالت متعثرة وبانتظار محافظ جديد لديه من الأفكار والحلول والفعالية التي يسوقها اليوم محافظ تعز ودونما تجد لها من الاستساغة والتفاعل والإدراك أيضاً.
المحافظ الشاب شوقي ربما خانه تقدير الوقت، وطبيعة المرحلة الثورية، ومناخاتها وتحالفاتها وحساسيتها؛ لكنه وبرغم هذه الأوضاع المحبطة المنهكة يعد الأفضل والمناسب لقيادة تعز ولمشكلاتها التنموية والخدمية والمجتمعية، فلا يغرنكم يا أهل الحالمة الأسماء والألقاب والأحزاب والنجوم والقلاع والشخيط والنخيط وكثرة الجند المرافقين وغيرها من مظاهر العهد البائد.. كما ولا تخدعكم المركزية وإن لبست ثوب اللوائح والقوانين.. فيكفي القول هنا ان قرار تعيين المحافظ ما كان سيصدر لولا أننا في ظرفية ثورية أعفي بمقتضاها محافظ منتخب ولو بطريقة لم ترق لنا، فهل من اللائق أن يقوم وزراء جاءت بهم ثورة بمهام هي من صميم سلطة المحافظات، إذ أن قانون السلطة المحلية منح رؤسائها حق اقتراح وترشيح من تتوافر فيهم شروط شغل الوظائف العليا في المحافظة، وبعد إحاطة الهيئات الادارية وبعد إجراء المفاضلة والمنافسة بين المترشحين؟!.
ويقيناً بأن مشكلة تعز ليست هنا، ومع ذلك أعتقد أن المحافظ شوقي لم يقم بترشيح واحد من المقربين مثلما سبق ورأينا أغلب المحافظين وهم أول من يستحذي القانون، وبمجرد أن يتبوا منصب الرجل الأول.. الواقع أن الواحد ليصاب بالحيرة والحسرة معاً، فعندما يأتي محافظ وفي وضعية مزرية كهذه، ومن ثم يعلن على الملأ شغره لوظيفة مدير عام عن طريق المفاضلة والمنافسة؛ فيكون جزاؤه مواجهة المركز بما يعني من هيمنة وفساد وبيروقراطية وطغيان..
إننا هنا لا نعني محافظ تعز فحسب؛ وإنما تكاد مشكلة مزمنة نعاني منها جميعاً وإن بنسبة متفاوتة، فكل واحد منا تراه ساخطاً شاكياً متذمراً من هيمنة بابوية ومن وصاية تاريخية يمارسها المركز وبلذة سادية مفطرة على اخضاع وإركاع الجميع، ومع اعتلائنا وظيفة مرموقة في الدولة ننسي كل شيء، ذهنية مضطربة وعليلة لا تقتصر فقط على المدراء والوزراء والرؤساء؛ بل قد تجدها في تصرفات الموظف المستجد إذا لم أقل تراها في العسكري العادي وبمجرد اعتلائه طقماً مسلحاً.
إنني أعجب كيف أن أهل البلاد ذاهبون نحو فدرلة القرار والسيادة, فيما وزراء يمارسون سلطانهم على المحافظات وعلى منوال الطريقة القديمة؟!.. تطلعوا في ماهية الممارسة الواقعية؛ لتدركوا كم هي حاجتنا ماسة للتغيير الحقيقي والجذري، وعندما نقول بالتغيير الجذري والعميق, فينبغي أن يبدأ من عقولنا المريضة بعضال " أنا وما بعدي الطوفان ".
نعم؛ فلكي تتعافى هذه البلاد من أمراضها الفتاكة القاتلة لحيويتها ونهضتها يستلزمها أولاً وقبل أي شيء آخر ذهنية نظيفة من أدران الشخصنة والعصبية والهيمنة المركزية، كما وتحتاج لعقلية مدنية متفتحة مستوعبة مدركة لطبيعة المهمة وللمرحلة الاستثنائية التي قد تبدو للبعض أكبر من طاقة وجهد المحافظ الشاب ذي الخلفية المدنية التجارية المحضة.
أيا يكن الأمر, فمحافظة الثورة والمدنية والثقافة والفكر والاستثمار لا أظنها بحاجة لقائد فيلق عسكري يمكنه كبح جماح ثورة تمرد، فسلطة من هذا القبيل ربما افلحت لزمن في لجم وإخماد نيران متأججة في أحشاء إنسان، وإذا كانت قد نجحت في إخضاع تعز وأهلها زمناً طويلاً؛ فإن الحالمة اليوم يستلزمها قيادة من عينة محافظها الشاب الحالم المتطلع لتغيير الصورة النمطية السؤوم؛ فهلا منحتموه فرصة كي نستطيع الحكم بنجاحه أو إخفاقه؟.. شخصياً أتمنى رؤية أفكاره وكلامه واقعاً ناجزاً في تعز السلام والثقافة والأحلام والمعرفة, وأيضاً, المعاناة.
محمد علي محسن
المحافظ شوقي وبابوية الوصاية!! 2037