في العاصمة البحرينية المنامة حضرت الأسبوع الماضي اجتماعات المؤتمر الرابع لاتحاد الصحافة الخليجية الذي يضم في عضويته قيادات المؤسسات الصحافية في منطقة الخليج واليمن ..وعلى هامش مشاركتي في هذا المؤتمر فقد اتيحت لي فرصة اللقاء والحديث مع نخبة من رجالات السياسة والحكم والإعلام كان في الصدارة منهم رئيس الوزراء البحريني صاحب السمو الامير خليفة بن سلمان الذي سبق وان جمعتني به عدة لقاءات ضمن مجموعة الامانة العامة لاتحاد الصحافة الخليجية وفي كل هذه اللقاءات فقد وجدت الجميع مهموما ومنشغلاً باليمن وتطورات الاحداث فيه .
وربما كان الامر لافتاً للعديد من الزملاء الذين كانوا على بعد عدة خطوات مني ومن رئيس الوزراء البحريني في انتظار توديعه بعد لقائنا به وهم يرون الرجل يمسك بيدي وينأى بي الى احدى زوايا مكتبه ليسألني عن الاوضاع في اليمن الا انني وقبل ان اجيب على سؤاله فقد وجدت سموه يتحدث عن موضوعات وتحديات خطيرة تواجه اليمن والبحرين ومنطقة الخليج والعالم العربي عموماً والذي يكتنفه حسب وصفه خلل استراتيجي غير مسبوق يسهل معه ابتزازه واستنزاف موارده وتحويله الي ساحة ملتهبة بالصراعات والانقسامات الداخلية .
ومن وجهة نظر رئيس وزراء البحرين الذي يقف على تجربة سياسية تمتد لاكثر من نصف قرن فأن اليمنيين الذين قدموا تجربة متميزة بانتقالهم من الصراع الى الحوار هم معنيون بالحفاظ على نقاء هذه التجربة وصيانتها من اية عوامل او مؤثرات قد تدفع بها الى خارج مساراتها واهدافها الحقيقية ..وفيما كنت اودع الرجل بعبارات الامتنان على تلك المشاعر الطيبة والفياضة تجاه اليمن وامنه واستقراره كان العديد من الزملاء يتلهفون لمعرفة مضمون حديث الشيخ خليفة معي وعندما نقلت لهم بعض تفاصيل ذلك الحديث فقد وجدت من بين هؤلاء من يحمل صورة قاتمة وسلبية عن الخطوات المتبعة للتغيير في اليمن والتي يرون انها تستهدف تغيير الاشخاص وليس الاستراتيجيات والاليات والوسائل التى يدار به الشأن العام .
وبالفعل فقد شدني حديث احد قامات الصحافة الكويتية والذي بداه بالقول :لقد كنت من اشد المعجبين بالرئيس عبدربه منصور هادي لاسباب عديدة والتي لا حرج من ذكرها الان ومن اهم هذه الاسباب هو اقرار الرجل بأن الظرفية الراهنة في اليمن لاتحتمل خوض اية مغامرة سلطوية قد تنجح او تفشل ..كما انها في ذات الوقت لاتقبل بالاخذ بمنطق القوة من اي طرف وكان من دعا في خطاب القسم امام مجلس النواب الى اسقاط هذا المنطق لمعرفته والمامه كيف يفكر الشارع اليمني المدجج بكافة انواع الاسلحة ..ومع ذلك فأني اجد نفسي اختلف اليوم مع الرئيس هادي اذا مااعتقد ان التغيير في اليمن يتمحور في اعادة هيكلة الجيش واتفاق الفرقاء على قواعد الدستور الجديد وشكل النظام السياسي والتقسيم الاداري والجغرافي للدولة واذا مااقتنع ايضاً باراء بعض السياسين الذين يصورون له انه ومن خلال هذه الاجراءات سيتم تقويم الديمقراطية المترهلة والامن الهش ومعالجة معضلة الفقر والبطالة وانعاش الاقتصاد وتطوير التعليم والادارة وترويض الفسيفساء الاجتماعي المعقد والمتعدد المشارب والاهواء وخلق مساحة اكبر للوفاق الوطني باعتبار ان مشكلات اليمن كما يقول الزميل الكويتي ليست في غياب المنظومة التشريعية والقانونية ولكن في غياب الدولة واستسلامها لسطوة القبيلة وعفريت فوضى السلاح وانتشاره بين صفوف المواطنين الى درجة اصبحت فيها اليمن محصورة بين فريقين فريق يحرقها واخر يغرقها في الفتن والازمات .
وبعد هذا الطرح وغيره فقد استغربت أن يكون الآخرون أكثر فهماً لأوضاعنا ومشكلاتنا وايقنت حينها ان الرئيس عبدربه منصور هادي لكي ينجح في وضع لبنات التغيير فلابد له من ان يحذر من الوقوع في شرك المتزلفين الذين اظهرت الاحداث انهم يتلونون بالوان من في السلطة فيصبح لهم في كل حالة خطاب وفي كل مرحلة وجه يتزاحمون على من اتى ويلعنون من ذهب لاتعوزهم الحيل ولاتنفد عندهم الاقنعة ليتحول كل واحد منهم الى وطن قائم بذاته يعبث كيفما شاء وينهب بمقدار مايسمح به طمع من اشتروا الدنيا بالاخرة والضلالة بالهدى .
واذا مااراد الرئيس هادي تجنب هولاء فعليه ان يفتش على اليمنيين الذين يمكن لهم ان يعينوه على التغيير والاصلاح خصوصاً بعد ان تلاشت هذه الفئة واستبعدت من المعادلة القائمة لتحل محلها عشرات التيارات التي تجمع كل الاطياف والفئات باستثناء فئة اليمنيين فصار لدينا اخوانا وسلفيين وانصار الله وانصار الشريعة وليبراليون وماركسيون وعلمانيون وناصريون وبعثيون عراقيون وبعثيون سوريون وانفصاليون ووحدويون وثوارا وفلولاً وحاشديون وبكيليون ومدحجيون وتهاميون .. وعلى وقع هذه الاطر والتشكيلات فقد افرغت خيمة اليمن من سكانها وتفرقت ايدي سبأ وتوارى اليمنييون عن المشهد وحل بدلاً منهم المتصارعون على هذا الوطن الذي يتم اغتياله يومياً بعنف القول وعنف الفعل وعنف التقطع وعنف الهجوم على أبراج الكهرباء وكابلات الانترنت وعنف الابتزاز السياسي وعنف الحراك وعنف الاضرابات والتعطيل وعنف التصعيد والتسخين في الجامعات وعنف الفقراء وعنف الاثرياء وعنف التسول الظاهر والمستتر وعنف لصوص المال العام وعنف البراميل الفارغة التي تصم الأذان بما تحدثه من ضجيج.
علي ناجي الرعوي
اليمن بلا يمنيين !! 3110