الفساد حين يصبح ثقافه نجسدها بسلوك يومي كفيل بقدرة خارقة أن يحول المرحلة من الانتقالية إلى الانتقامية, فثمة عملاء ومخربون ينتظرون غرق وطن لا يجيد السباحة ليمدوا له يد الانتقام, كل يوم نسمع قصصاً وحكايات يُخيل لي من استحاله تفاصيلها بأنها غير واقعية ولكن سرعان ما تُنشر حقائقها, لأكتشف بأن هذه المرحلة لن تمر بسهولة في ظل كل هذه الأحقاد والضغائن المدججة بالانتقام التي تعيق كل ما من شأنه التنمية والبناء, فالأفكار محصورة في زاوية معتمة بالحزبية والأعمال متجسدة بالولاء والتقديس الأعمى, لنعاود الصراع ولكن هذه المرة في مرحلة ضيقه لم تستوعب كل هذه التناقضات.. إلى الآن لا شيء يُشعرنا بأننا في مرحله الانتقال من الثورة إلى التغيير طالما والسلطة والمنصب هم الهم الشاغل والمغنم المنشود لكل مسؤول لا يعي من المسؤولية سوى السيارة الضخمة التي يركبها والفيلا التي تأخذ مساحة حارتين والجيش المبرر للمرافقة الشخصية, فكيف لهؤلاء أن يصنعوا وطناً قوياً يقف بشموخ مُحارباً الانفلات والفوضى والفساد؟!.. فالمشكلة الكبرى في هذا الوطن بأننا دائماً نقبل بأنصاف الحلول التي لا ترضي إصلاح الواقع, فحتى المفاهيم التي أقنعونا بأنها حل وعلاج للوضع القائم وتمهيد للدولة المدنية التي ننشدها لم نجد منها سوى اسمها, فمثلاً العدالة الانتقالية التي لم تر النور سوى بالإصلاح المؤسسي المتمثل بهيكلة المؤسسات العسكرية والله يعلم متى سيكون التنفيذ لهذه القرارات, أما بقيه البنود فبعضها طبقت بشكل معكوس, المحاكمة أهم البنود التي ترتكز عليها المرحلة, إلا أنها استبدلت بالحصانات والبند الآخر التعويضات عن الأضرار للانتهاكات الجسدية والمادية لم تجد الاهتمام, فاذا كان الجرحى والمصابون لازالت المعاناة قائمة إلى يومنا هذا فما بالنا بالتعويضات الأخرى.. والمفهوم الآخر الحوار الوطني الذي عُرفت مُخرجاته سلفاً في ظل متحاورين تُلفت انتباه جهلهم التفاهة والأمور السطحية لتصبح محط اهتمامهم والمطلوب دائماً من الشعب أن يقدم تنازلات حتى يصلح الوطن والمصيبة بأن الخراب مصدره المسؤولين والقادة الذين لا يخدمون سوى أنفسهم وكل ما يدمر الوطن.. لتكون الخلاصة بأن هذه المرحلة لو ظلت كما هي حالة التسيب وعدم المسؤولية سيكون مشوار الدولة المدنية محفوفاً بجثمان وطن لم يحتمل كل هذه الصراعات في ظل ضعف الدولة وغياب القانون وسيطرة الهمجية واستعراض ثقافة المشيخة المسلحة.
*بقايا حبر:
لغسل خيبات المواجع نحتاج لغيث من الأماني والأحلام التي بمقدورها أن تنعش تصحر الصبر وتبهج أزهار التفاؤل العابسة في وجه غياب الوطن.
نعائم شائف عون الخليدي
المرحلة الانتقامية! 1855