من المؤكد والذي لا يختلف عليه اثنان أنه ومنذ اللحظات الأولى لانطلاق فعاليات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وجلوس اليمنيين على طاولة واحدة.. قد هدأت النفوس، وطاب النقاش وتوارت الأحقاد، وتجلت الضمائر الوطنية بأروع صورها.. وتخلصت من كل أدران الماضي بعد أن كانت تملؤها الكراهية والبغضاء، وكل طرف كان يتربص بالآخر شراً.. حتى كادت خلافات الفرقاء أن تهددهم بالاقتتال الذي حذر منه رب العزة بقوله تعالى: (من قتل نفساً في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً)..
وهو ما كان ينتظر اليمنيين الذين كان شبح الموت قاب قوسين أو ادنى منهم؛ لولا أن تدخلت الرحمة الإلهية التي دفعت اليمنيين إلى الحوار، وجنبتهم نار الحرب التي كانت متوقعة أن تشتعل فيما بينهم، تصديقاً لصوت الحق عز وجل الذي قال في محكم كتابه الكريم: (كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب الفاسدين)..
بدليل أن اليمنيين ورغم خلافاتهم الشديدة قد هربوا من جحيم الفتنة ودخلوا وعلى مسافة متساوية إلى معترك الحوار عن رغبة أكيدة، منهم وهم يتحدثون بصوت واحد ويتحاورن بلغة واحدة قوامها سلامة اليمن ووحدته والأمن والتنمية والاقتصاد الذي يكفل الرخاء والاستقرار والتقدم للوطن.. معتبرين أن الاختلاف بالرأي رحمة وسنة الله في الأرض ومن الصائب التمسك به في كل الظروف والأحوال.. أما الاختلاف فآثاره السياسية سيئة وعواقبه وخيمة؛ لأنه يزيد من الفتن والأحقاد.. ويؤدي إلى التفرقة والتمزق والضياع.
ومهما كثر التباين أو اشتدت خلافاتهم، فالاحتكام إلى العقل هو الوسيلة المثلى التي ستجنبهم ووطنهم ويلات الدمار وهو قبل ذلك امتثال لأوامر المولى عز وجل القائل: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) وليست ثمة شك أن حماية الوطن من الهلاك هو فرض عين على كل يمني ويمنية.
ولذلك فقد أدرك اليمنيون أن الحوار والتحاور هو طوق النجاة والخيار السلمي الوحيد أمامهم، ويجسد صفات المسلم الحق الذي يسعى للعمل وفق مشيئة الخالق الذي استخلف الإنسان على الأرض، وبهذه المشيئة بقدرة الخالق على إخراج اليمنيين من متاهات الصراعات إلى واحة النور والاتفاق.. فمن واجب كل يمني أن يسهم إسهاماً فعالاً في نجاح الحوار، ضماناً لسلامة اليمن وجعله قوياً موحداً شامخاً شموخ جباله العالية.
تفاؤل:
ولأن مسار الحوار صحيحٌ وسليمٌ والنوايا صادقة، فقد انعم الله سبحانه وتعالى علينا بغيثه الوفير.. حيث شهدت اليمن ومنذ بدء الحوار أمطاراً غزيرة.. وحتى كتابة هذه السطور وخير الله يهل على المدن والقرى والسهول والجبال، جعلها الله أمطار خير وبركة لنا جميعاً.. وهذا ما يجعلنا نتفاءل بمخرجات الحوار خيراً تخدم اليمن أرضاً وإنساناً.. بعد أن اغتسلت الأرض اليمنية من مخلفات ورواسب الماضي.. واغتسلت معها القلوب وصفت النفوس والتي هي لا شك إرادة الله الذي ميز شعبنا بالإيمان والحكمة، وبهذه الأمطار التي كانت هدية السماء لأرضنا الطيبة.
فيصل هبة الحميدي
الحوار.. قيمة دينية 1501