ذكرنا في المقال السابق أن مؤتمر الحوار منبثق عن المبادرة الخليجية، وأن المبادرة تنص بصورة واضحة وصريحة على: أن يؤدي الحل الذي سيفضي عن هذا الاتفاق إلى الحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره!! ومع ذلك فقد رأينا في الجلسة العامة أن صوت الخطاب والتوجه المناطقي والانفصالي مرتفع ومرتفع جداً، لدرجة أن غالبية ممثلي الحراك في المؤتمر تحدثوا باسم دولة أخرى ويمثلون شعباً آخر، وأنهم لم يأتوا للمشاركة في حوار وطني وإنما للتفاوض الندي بين دولتين، حيث يقول محمد علي أحمد: " إننا نتمسك بالحوار الندي بين دولتين بالتساوي وفرضنا هذا الشرط واعلنا أن مطلبنا ومطلب شعبنا في الجنوب هو استعادة الدولة الجنوبية الحرة المستقلة"!!..
وهذا هو جوهر الموضوع وخلاصة القضية "حوار أو تفاوض بين دولتين بشروط مفروضة مسبقاً ومعايير مطروحة مقدماً، وأن مشاركتهم في الحوار, كما يذكر الأخ/محمد علي أحمد :"هو أهم محطات مراحل النضال السلمي وأن المشاركة في الحوار لا تلغي حق شعب الجنوب في مواصلة النضال حتى يتم فرض ما تهدف إليه ثورتنا السلمية ونصل معاً إلى استعادة الدولة الجنوبية الحرة المستقلة كاملة السيادة بالحوار والتفاوض أو باستمرار النضال الذي يعتبر حقاً لن يسلبه أحد".. أي أن مشاركتهم في الحوار الوطني محطة من محطات النضال السلمي لاستعادة الدولة الجنوبية وقطع الصلة بالدولة الشمالية.. وحسب تعبير محمد علي أحمد: "فإنه ومنذ 1994م لا يوجد أي ارتباط رسمي أو شرعي بين دولة الجنوب ودولة الشمال"!!..
إذن فنحن أمام حوار يسمى وطنياً وهو يشرعن للانفصال ويقنن لفك الارتباط ويساهم في تقسيم الوطن وتفكيك اليمن، سواء كان ذلك بصورة مباشرة عن طريق الانفصال وفك الارتباط، أو بصورة غير مباشرة عن طريق الفيدرالية والأقاليم، سواء كانت فيدرالية من إقليمين أو من عدة أقاليم, فكل الطرق تؤدي إلى الانفصال والتقسيم والتجزئة والتفكيك، وهذا ما يدعو مؤتمر الحوار لتحمل مسؤوليته الوطنية والتاريخية من هذه القضايا والخيارات الكارثية، وأن يحددوا ويعلنوا موقفهم من مثل هذه الشروط المفروضة والاشتراطات المسبقة، وهل ما يجري هو مؤتمر حوار جامع وشامل أم تفاوض سياسي ناجز وتنفيذ اتفاق جاهز!!..
الشعب يريد أن يعرف حقيقة ما يجري وطبيعة ما يدور حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود بكل صراحة ومصداقية ووضوح وشفافية, سواء فيما يتعلق بالقضية الجنوبية ومشروع استعادة الدولة، أو فيما يتعلق بقضية صعدة ومليشيات الحوثة الذين يؤسسون في صعدة وما جاورها دولة إمامية كهنوتية مستبدة، وفي صنعاء ينادون بدولة مدنية حديثة وحرة.. والغريب - والشيطان لم يعد غريباً- أن الحوثيين في صعدة خارج نطاق النظام والقانون والدستور وفي معزل عن الدولة اليمنية ورافضون للمبادرة الخليجية وغير معترفين بشرعية الانتخابات الرئاسية المبكرة، ومع ذلك فانهم في صنعاء يشاركون في مؤتمر حوار وطني منبثق عن المبادرة الخليجية، وحصلوا على حصة كبيرة وحظوة بالغة ومكانة رفيعة جعلت من احدهم نائباً لرئيس مؤتمر الحوار الوطني!!..
وقد يقول قائل إن من حق الحوثيين – واسم الدلع انصار الله – من حقهم المشاركة في الحوار والحياة السياسية عموماً.. نقول هذا صحيح اذا سلموا الأسلحة الثقيلة للدولة اليمنية ورفعوا أيديهم عن صعدة وتركوا الظلم والإرهاب والقتل والتخريب وتخلوا عن الاغتيالات والاعتقالات وتوقفوا عن العبث بالثوابت الوطنية والتلاعب بالعملية التعليمية وبناء المتاريس بدلاً عن المدارس ودخلوا فيما دخل الناس فيه، لهم من الحقوق وعليهم من الواجبات ما هو لبقية اليمنيين أو عليهم.. وللحديث بقية بمشيئة الله عز وجل.
عبد الفتاح البتول
عن الخطاب القروي والحضور الحوثي في مؤتمر الحوار الوطني 1734