أين أذنك يا جحا؟.. قال: هي ذي!!.. عجيب أمر هؤلاء كل العجب, فبدلاً من معاقبة السارق وتنفيذ العقوبة عليه يلجأون إلى معاقبة البيت المسروق وساكنيه بحجة وأخرى.. هكذا هو حال حاملي المسؤولية السياسية وممثليها في بلادنا هذه الأيام.
بعد أن أُثقل كاهل هذا الوطن المسكين بكل بلية ومدلهمة, ويعتليها ثقلاً فساد مستشري في كل مكان وفاسدون امتهنوا فسادهم منذ سنين وجُلُّهم ورثه وراثةً إما من قريب له أو وسيط ذي ثقل فيما عُرف بتوريث المناصب والكراسي واقتصارها على عائلات بعينها تتداول المناصب فيما بينها البين, وهذا التوريث مصحوب بخبرة متراكمة كفيلة بتعليم الوارث المعين حديثاً كل ألغاز ووسائل اللف الدوران وأحدث تقنيات الإفساد في ظل غياب القانون ودفن الضمير المنظم منذ عقود في هذه البلد الثكلى حتى أصبح الفساد يسير في عروقهم ومن افتقده فقد افتقد كفاءته في العمل وقد يحرم منصبه ويصبح منبوذاً في أحايين كثيرة, لأن عدم كونه فاسداً فذلك من خوارم الرجولة ودلالة على عدم صلاحيته لشغل منصب أو وظيفة في أي مكان كان , ويُنظر له على أنه قد يكون سبباً رئيسياً في تعطيل مصالح الوطن والمواطن والذي هم حريصون عليه أشد الحرص, مما يتسبب في تأخير رقي ونهضة هذا الوطن لا سمح الله.
هذا ما اعتاد عليه جميع أبناء هذا الشعب وألفوه وتشاركوه حتى أصبحت ثقافة متأصلة فيهم- موظفين ومواطنين- يمارسوها في كل تعاملاتهم اليومية سواء في الأروقة والدوائر والمكاتب والمراكز الحكومية أو في النقاط والجولات والشوارع الرئيسية وإعانتهم للفاسد ودعمهم له ودفاعهم عنه إن تطلب الأمر, وذلك السبب الذي جعل الفاسد يزداد فساداً والمواطن يزداد فقراً ظلماً وقهراً .
بعد أن صحى الشعب من غيبوبته طبعاً بشكل غير كلي وبدأ السير بخطى تقدمية يعتريها خلل في التوازن مما حدت به إلى وضع بعض خطاه في أماكنها الغير صحيحة وهو يستحث الخطى راجياً التغيير للأفضل واقتلاع جذور الفساد والفاسدين من منابعها إلى أفضى به الطريق إلى تسليم المهمة لمئات الرجال والنساء ممن رأى فيهم الخير لهذا الوطن ليكملوا المسير لإخراج هذا البلاد من عنق الزجاجة , إلا أنه بدلاً من الشروع في معاقبة المفسدين وقطع دابر الفساد ومعالجة الأمور كما يجب أن تعالج , شرعوا وبكل تنصل وتنكر في معاقبة الوطن والمواطن من خلال تبنيهم لمشاريع هدامة تزيد الفقير فقراً والغني غنىً , وتمزق رقعة الوطن الجغرافية إلى أشلاء بحجج واهية لا تحمل سبباً واحداً حقيقاً يلتمس لها العذر في ما ترنوا إليه , وكل دعواهم ومطالبهم التي أوردوها لا تبرر لهم تمزيق هذا الوطن وتفتيته تحت أي مسمى أو لون ولا تبرر لهم عنصرة المواطن اليمني وتقسيم لحمته الواحدة من خلال انتماءه إلى جزء معين من هذا الوطن أو لونه أو مناطقيته أو عرقه البتة, حتى أن الكيفية التي يمكن إتباعها لحل كل قضايانا لا ترتبط ولا يوجد أي رابط بينها وبين ما ينشدونه الآن من وسائل يرون الحل فيها, فلماذا يوردونها لنا ويدندنون على تبنيها؟ والقضية برمتها ليست بتلك المستعصية حتى يلجئون إلى آخر وسيلة في العلاج فيما يعرف بالكي مادامت أسبابها ومسبباتها كلها هي الفساد والمفسدون, ولا دخل للمواطن المسكين ولا لرقعة الوطن الجغرافية لا من قريب ولا من بعيد في ذلك!! والغريب أن كل طرف منهم أصبح يغني على ليلاه!!, فذلك يدندن بالفدرالية, وآخر يشدد على الانفصال وثالثهم يؤكد على أن الحل هو نظام الأقاليم, والبعض لجأ إلى العمالة والاستعانة بأطراف خارجية, ولسان حالهم جميعاً" ركضوه الجن استقضى بالجدار".
يا من حملتم أمانة المسؤولية لإخراج اليمن إلى بر الأمان وعُلقت عليكم الآمال؛ هل فيكم ذو عقل رشيد؟ هل فيكم من يمد العنان لناظريه ويسمح لنفسه بالنظر إلى أبعد من أنفه قليلاً ليتوقع ما الذي سيكون عليه مستقبل اليمن لو تحققت واحدة من تلك المطالب؟..
لابد من استحضار الحكمة في هكذا أمور فيها من الحساسية ما فيها والغلطة والتسرع في موقف ما قد يعصف بالوطن ويفضي به إلى نفق مظلم نتائجه لا تحمد عقباها- لا سمح الله.. لابد من إفاقة الضمير وزرع بذرة الوطنية ومحبة الخير لهذا الوطن في القلوب وإخلاص النية والترفع عن تغليب المشاريع الخاصة على حساب اليمن- المشروع الكبير- والعمل على معالجة أمور البلاد والعباد بالطرق الصحيحة التي تكفل المخرج الصحيح والآمن.. وفقكم الله إلى فيه خير للوطن والمواطن.
صالح الحكمي
ما ذنب الوطن والمواطن؟! 1580