كثيرون من ساقهم حظهم إلى الحوار, أو هكذا يعتبرون أنفسهم, لأن المردود المادي والدخل اليومي ضخم مقارنة بما هي عليه أيامهم خارج قاعة الحوار واعتبروا أنفسهم يعيشون أيام الحوار طفرة تشبه طفرة نفط الخليج في سبعينيات القرن الماضي..
وكثيرون من اعتبروا الحوار نوعاً من الغنائم التي تعودوا عليها في كل المناسبات ونعني بهم أصحاب الوجوه التي لم تغب عن أعيننا في كل مناسبة أو مؤتمر.. بعضهم ملتهم كاميرات الصحافة والتلفزة وملتهم الأعين والأنفس وملت سماع أسماءهم وأصواتهم الآذان.. وآخرون اعتبروا الحوار فرصة للتنفيس عن الكبت والظهور في العلن والخروج من صمت الظل إلى أضواء الحوار..
في الحوار كلٌ يغني على ليلاه وكل يغرد وله تغريده الخاص, فهناك من يغرد في سربٍ من الأسراب أو السروب وما أكثرها.. وهناك من يغرد خارج السرب حتى ولو كان ضمن جوقة سربٍ أو فئةٍ أو جماعة.. وهناك من يبحث عن الجغرافيا وتحديد الجهات, كأنه ينافس الإدريسي وابن بطوطه وبن ماجد في رسم خارطة الأرض أو يسابقهم في رحلة بين الصحراء والبحر والجبال.. وهناك من يندب حظه ويعلن العزاء والعويل ويبكي المظلمة وهو غارقٌ في الظلم حتى الثمالة.. وهناك من ينشد العدالة لا حباً بها ولا رفقاً بالمظلومين ولكن يبكي الغائبات كالعاشق حب المستحيل.. على مائدة الحوار دجاج وفراخ وشروخ وخرفان وسكن فاره على السرائر والأرائك وريش النعام.. نخاف أن يفسد الترف والمال ذوق المتحاورين أو ينسيهم النعيم وما هم فيه أن الشعب خارج أسوار القاعة يكدح ويلغب وينصب ويتعب وينتظر أن يهتم الذين في القاعة بحاله ويفكرون بمآله.. وخارج أسوار القاعة عرق يتصبب من جبين كل حر ووطني, ودماء تراق، وجروح تنزف, وعيون ترقب المشهد وأيدٍ يضعها أصحابها على قلوبهم خوفاً أن ينفلت الوطن من عقاله وعقله أكثر من الذي هو حاصل الآن.. وهناك خارج القاعة أيدٍ ترتفع صوب السماء راجيةً الباري التوفيق والرشاد والصواب والسداد.. وهناك أيدٍ تعبث وتعيث في الأرض الفساد لا يعرف أصحابها شيئاً في حياتهم ولا خبراتهم المكتسبة سوى العبث بمعناه العام والواسع لا المحدود ولا المؤطر, فبالعبث والتلاعب والمكر والخديعة يعيشون ويتفيأون ظلال الأدخنة التي تتصاعد من نيرانهم المشتعلة والمتقدة بالمعنى المجازي والصريح, فهل يعي من في القاعة لماذا يجتمعون وعن ماذا يتحاورون؟!.. نتمنى ذلك.. وللكلام بقية.
علي الربيعي
كلام على مأدبة الحوار 1525