في حياتي، رأيت كثيراً من أصناف وأنواع وأشكال العشق، لكني لم أتخيل أنني سأشاهد لوناً جديداً ونوعاً فريداً من تلك الأنواع والأصناف، ولم يطرى على بالي أنه سيأتي يوم يستلذ فيه أناس ما كان ممقوتاً، ويهربون ويفرون ويمقتون ما كان مطلوباً ومفروضاً ، ولم أفكر لبرهة أو لجزء من الثانية أن العبودية ستجعل أناساً يركعون ويسجدون في سبيل الحصول عليها ، وبالتالي الحصول على رضا معبودهم الساقط في حضيضِ خاص ، بينما يتركون الحرية تنتحر على مشانق الزمن الذي يأتي بمفاجآت مفجعة جداً!.
عشق العبودية هو نوعٌ جديد من أنواع العشق ، يجعل صاحبه بلا قلب رغم أن العشق لا يتم إلا بقلب ، ولكن ذاك العشق النظيف، وليس العشق الملوث بالمصلحة ، والباعث على الانحطاط، والجالب للعنات والخزي والعار، وهو أيضاً صنفٌ عُرف حديثاً، وبصفاقة أكثر وقلة حياء أشد، وهذا العشق يجعل صاحبه في منزلة واحدة مع (الوقاحة) ، حيث يتوائمان، ويتشاركان نفس الصفات، وإن وجد بينهما فرق، فهو بسيط جداً ، وفي الشكل والمظهر لا المضمون والجوهر!
ما أشنع أن يأتي عشق العبودية من رجل ، فما بالك بأن يأتي من أنثى ، حيث يغيب الحياء، وتذهب الأنوثة دون رجعة، ويولي كبرياء المرأة دون أن يلقي بالاً لأحد، وهذا ما رأيته من كثيرات، ولكنه كان أشد بشاعة من إحداهن والتي تنتمي إلى أسرة جامعة تعز للأسف الشديد، وللأسف الأشد أنها (أكاديمية) يعول عليها في تربية الأجيال وصناعة تعليم ووعي يستنهض البلد وينتشل الوطن من ركام الجهل وبراثن العبودية المقيتة !
هذه الأكاديمية التي أحتفظ باسمها حولت صفحتها على (فيس بوك) إلى (زنزانة) ضيقة جداً سجنت فيها ذاتها ، وقيدت داخلها حريتها، وكبلت نفسها بأغلال العبودية وقيود الانبطاح وسلاسل السجود لغير المعبود الكريم ، فلا تجد منشوراً إلا وتستغرب من كثير مما جاء فيه، مما يجعلك تشك خاصة عندما ترى تلذذها بما تصنع، ألهذه الدرجة تستشعر أنها تشرب عسلاً حين تصبح جارية في بلاط (الزعيم), وحين تتحول إلى كائن رخيص في قطيع العبودية، وإن كان باختيارها واختيار أمثالها!!
في إحدى ليالي فسبكة هذه الأكاديمية كتبت بالنص مع صورة لها برفقة المخلوع الأشِر: ( لو السجود لغير الله جائز لسجدت للزعيم) ، فهي لم تكتفي بالعبودية بالكلام ، بل أرادت أن تؤدي فريضة عبوديتها ، وشعيرة ولاءها وخضوعها ، فأرادت السجود لزعيمها ، لكن لا أدري ، هل السجود لذاك الكائن يشبه السجود الذي يؤديه كل مسلم ، وكل من يعرف أن الحرية هي العبادة الأغلى والتي لم تحدد بدين واحد، فهي دين بحد ذاتها ، ولكن لا يعي ذلك إلا الأحرار ، أما العبيد فمن السهل عليهم تبديل دينهم بتبدل الأشخاص ، وشعارهم (من أتزوج أمنا كان إلا هنا) وليس عمنا كما يقول المثل اليمني الشائع!.
وباستمرار سقوط مثل هؤلاء يتبين حجم المأساة ، وتتضح الصورة أكثر ، لنرى انبطاحاً حد كسر الظهر، وعبودية حد الإذلال، وخضوعاً حد تقبيل الأقدام ، وسقوطاً لا يقبل النهوض أبداً ، فمن فُرضت عليه العبودية يمكن أن يعود حراً، أما من يختارها ويذهب إليها بيديه ورجليه فإنه يضرب بالفطرة التي أوجدها الإله فيه عرض الحائط ، ليتبع هوى نفسه وهوى شياطين الأنس والجن، وأولهم هو ذاته!
وكنموذج آخر لما تقوله هذه الأكاديمية كتبت : "اسمعوا بجد الصلاة بجامع الصالح فعلاً بمثابة حجة، وزيارته لمنزله عشر حجج وتقبيله برأسه يحرم عليك النار" !! نعم ، تتحدث عن النار وكأن خازنها ضابط في حرس الزعيم، يُملي عليه ابن الزعيم أوامره فلا يستطيع مخالفته مطلقاً، وتتحدث عن النار وكأن زعيمها هذا هو المتفرد بصرف بطائق الدخول إليها، غير أني ألتمس العذر لها في كلامها هذا عندما أتذكر أنها بفعلها هذا تقدِّس زعيمها وتضفي عليه صفات العبودية، فتجعله إلهاً لهواها الغبي أو المتغابي، ومن هذا الباب تجد أن الإله بإمكانه التحكم في من يدخل النار ومن يخرج منها !!
أريد أن أتوقف الآن عن الكتابة ، فلا أدري أي كلامٍ سأنطق به بعد كل هذا الانحلال العبودي والقيمي ، حيث أصبحت قيمة الحرية منبوذة عند مثل هذه الأكاديمية المفترضة ، وأصبحت العبودية هي الأصل، خاصة عندما يتعلق الأمر بمصلحة ما تريد نيلها والحصول عليها ، لذا فبإمكانها الحصول على مصلحتها ، لكنها ستحصل أيضاً على نظرات الازدراء أينما حلت، وستتابعها العيون حيثما رحلت، وحين تضع عينيها في عيون الناس ستكتشف كم كانت غبية ، وكم هو ندمها لا يفيد، وبس خلاص !!
طارق فؤاد البنا
عشق العبودية وغرام الانبطاح..! 2554