تناول القرآن الكريم الخير بدلالة المال، والمال يتسع مفهومه ليشمل كل جنس در العملة الورقية أو الورق أو الذهب، وسماه خيرا في غير موضع من التناول القرآني، ونحن نتحدث عن الخير في التناول القرآن، نجد أن الله تعالى قد ذكر الحكمة وأعطاها المسمى نفسه، بيد أن القرآن بالغ بخيرية الحكمة ليجعلها تحتل مرتبة كبيرة مقارنة بخيرية المال، وهو ما نفهمه من قول تعالى (ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) صدق الله العظيم.
وإذا خص الله الخليج بخيرات الأرض فقد خص اليمنيين بما هو أفضل وأكبر وأكثر لقد خصهم بخيرات السماء في شقها المعنوي وليس ثمة شك أن المال أو ما سمي بالخير متعلق بمادية الإنسان وليس بمعناه، ولما كان ذلك كذلك فقد خص الله اليمنيين بما هو أهم من المال وهي الحكمة وهذا يعني أن الله اليمنيين هم أولوا حكمة هم أرقى معنى وقد شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا المنح "الإيمان يمان والحكمة يمانية" لهذا نحن نتباهى بحكمتنا وهي أفضل من كل كنوز الدنيا وأعلى قيمة (ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثير) ولما كان الإنسان قيمة وليس مادة ولما كانت القيمة ترتبط بالحكمة ولما كانت المادة ترتبط بالمال فإن الله قد شهد لليمنيين بالقيمة عندما نسب لهم الحكمة التي وصفها القرآن بأنها أعلى سقفا من حيث الأهمية فلا تضاهيها كل كنوز الدنيا فكيف ببترولها وما جره هذا الأخير من ويلات وحروب.
ثم تعالوا بنا نراجع دعوة خليل الله إبراهيم عليه السلام فقد دعا بقوله تعالى على لسانه (ربي إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من كل الثمرات) وهذه الثمرات أيضاً مرتبطة بمادية الإنسان وليس بمعناه والله تعالى إنما خاطب في الإنسان معناه وليس جسده، والرسول صلى الله عليه وسلم قد امتدح في اليمنيين المعنى عندما قال "أتاكم أهل اليمن أرق قلوبا وألين أفئدة"، وعودا إلى خليل الله إبراهيم -عليه السلام – حيث دعا الله (واجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم) هنا لم يقل جماعة من الناس لأنه أراد أن يذهب إلى ذلك المكان المقفر من الحياة "معاني الناس" وليس أجسادهم فمفردة "أفئدة" تدل على أنه يريد أناسا خاصين لأنهم سيذهبون هناك للقيام بالمهام الثقال وتتمثل في بناء دولة مستقرة أمنيا واقتصاديا وهذا الأمر لا يقوم به إلا الأمين لهذا طلب "أفئدة" أي بمواصفات خاصة فقد كان "واديا "آنذاك ولم يكن بلداً فيه أي مطمع للطامعين ولن يذهب إليه إلا من تربطهم آصرة دينية فهو "واد غير ذي زرع" مقفر من البشر والشجر لكن كان السياق المكاني (عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة) واليمنيون (الأوس والخزرج في المدينة) هم من استقبل الرسول يوم أخرجه أهل مكة متباهين بقوة نفوذهم وقوة اقتصادهم الذي كانت دعوة سيدنا إبراهيم سبباً فيه.
وهنا أترك الأمر للمؤرخين الحكم حتى يراجعوا التاريخ ويعرفوا من هم أصحاب الأفئدة الذين وفودوا إلى ذلك الوادي المقفر استجابة لدعوة خليل الله إبراهيم وأقاموا ذلك البلد الأمين الذي أقسم الله عز وجل بأمنه والذي مجده القرآن باستقراره الاقتصادي فهل هم يمنيون ؟ حقيقة ذلك يتحملها المؤرخون.
وفي الأخير إن البترول سوف ينفد والحكمة هي التي ستبقى فلا تراهنوا بنار البترول على نور حكمة اليمنيين ويجب عليكم أن تعلموا أن حكمتهم أزلية قد سبقت حتى إيمانهم وما شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم لليمنيين بالحكمة إلا تعزيزا لذلك ولما كانت الحكمة متصلة بالعقل والتعقل جاء ما يد على أن حكمة اليمنيين قديمة ترجع إلى عصر ما قبل الإسلام فاليمنيون تاريخهم ناصع بالحكمة بدليل أن لملوكهم إرثا مشرقا ومسيرة ناصعة بالحوار والشورى فهذا هو إرثنا بشهادة القرآن (يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون) وكان إرث غيرنا (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد).
فإذا كان هذا هو حال ملوك اليمنيين وما هم عليه من الحكمة والحوار والمشورة فإنه ليس غريبا عليهم أن يكونوا في الوقت نفسه مشحونين بتلك القوة والبأس الشديد، لأن قرارهم وطريقة إدارتهم لبلادهم لم تكن متسلطة مستبدة إنما كانت إدارة بعقل جمعي وهذا شاهد القوة وشاهد البأس الشديد وكذلك الذكاء ومن هنا أقول إن من يمتلك الحكمة هو من يمتلك القوة لأن الحكمة تبقى ولأنها على صلة بمعنى الإنسان وليس بماديته وأصحاب القيم والقيمة دائما تكون لهم الغلبة ولما كانت الثورات عبارة عن قيم غلبت قوة الساعد والسلاح فأتمنى ألا تراهنوا على بترولكم فنور حكمة اليمنيين ستخمد ناره وتبدد دخانه وسيكون الجو بعد الحوار صافياً.
د.حسن شمسان
إلى السعوديين.. نور حكمتنا سيخمد نار بترولكم 1478