يظنُّ نفسه مُبدعاً في كَيفية إخماد الثورات.. يظنُّ نفسه مُبتـكراً في كيفية قتل أحلام الشعـوب.. يظنُّ نفسهُ متـفرِّداً فـي عالـم الإجرام.. يقتلُ أعدائه من الثوار دون ضجةٍ ودون دَليل مادي ملموس, فهو قـد وعَى درس " زين تونس " لا هروب.. ووعَى درسَ "مبارك" لا مهادنة.. وخبِر درسَ "عفَّاش" لا مصالحة.. وخبرَ درسَ "القذافي" لا مواجهة.. وعاش ويعيشُ تجربة "بشار" لا إبادة جماعية في وضَح النَّهار. لقد اختار درباً مغايراً لما قد مَضى, درباً وعـراً لم يسلُكهُ إلا النادرون في عالم الإجرام التاريخي, حتَّى أن نيرون يبدو أحمقاً بجواره, فهو لم يُفكر كما فكَّر أو يُبدع في عالم الفساد وسفك الدم كمآ أبدعَ..
إنَّ المالكي فآقَ إبليس شراً, فهو يقتل غيلةً أعدائهُ من الثوار مُنفردين أو مَثنى أو ثُلاثا, في المساجد وفي الأزقَّة وعلى أعتاب المنازل, بعيداً عن كُل الكاميرات والأضواء والساحات, يُصفيهم جسدياً أول النهار وينعيهم في آخره.. وما يُضيرهُ إن قَتلهُم دونَ صخبٍ أجمَعيـنْ؟ أليسوا أعدائه التقليديين من أبناء السُّنة المارقين عَلى حُكم الملالي الأمين وقتلهم واجبٌ مذهبي لا جزاء له إلا جنات آياتهم والنعيم؟!.. حقاً لقد أتى بما لم يستطعهُ الأوائل الساطعون, يغتال حين يكون الاغتيال مُمكناً لكُلِّ ثائر في كُل الأماكن وكُل الأزمنة, لكن دونَ ترك آثار قـد تُدينهُ باغتيالهم أمام العالمين, وفي السجون يقتلهم بالعشرات شنقاً وخنقاً ودهساً بالنِّعال ويضعُ جُثثهم في حُفـر سوداء كَـقلوبهم المظلمة, زاعمين أنَّ وحشيتهُم نابعة من أحكامٍ قضائية, لكنَّها في حقيقة الأمر ليست أحكاماً, بل تعاويذ شيطانية ملعونة إلى يوم الدين..
يــا لحُمق سابقيهِ من الزعامات, هكذا يبـدو أنَّه يُحدث نفسه: لـو أنَّهُم فعلوا بخصومِهم مـآ يفعلهُ هو بخصومه ما واجهوا مصيرهُم المحتوم.. إنه يغتالهم في حدود المُمكن عدى ساحات الاعتصام وإن امكن ولا يقتُل الأشخاص مرحلياً عدى القادة المُفوَّهين المُعتلينَ فوقَ المنابر بعيداً عن الساحات, طبعاً دونَ أن يُحرج بذلك المرشد الأعلى وعتاولة " قُـمْ " وساسة "طهران" الجانحين للسِلم أجمعين.. أو يضع المُجتمع الدولي التائه في موقفٍ مُخزٍ أمام تاريخها وشعوبها, قـد يضطرها للتنديد لا سمحَ الله!.. أو يضع العرب العاربة والمُستعربة في موقفٍ لا يُحسدونَ عليه.. إنهُ يقتُل ثواراً ويجهضُ ثورةً بدون ضجيج, بل إنهُ يُثير إعجاب أولئك العربان الذين لا تروقُ لهُم ثورات الربيع ويصفقُ لهُ في نفس الوقت أولئك المتحضرونَ في الغرب الذين يخشونَ من بزوغ شمس الإنسانية في بُلدان القهر والعذاب والاستعباد, أولئك الذين استمرأوا أن يكونواْ همُ السَّادة ودونَهم العبيد, خاصةً العبيد الذينَ يقطنونَ بجوار منابع النفط أو القابعون فوقها, يستكثرونَ عليهِم بزوغ بعض خيوطَ شمس الحُريَّة.. كـم هـو رائع المالكي بزعمهم المَخبُـوء وهو يخطو خطوات جادَّة صادقة في القضاء على ثورة العراق بالقتل النظيف المُركز المُمكن لذاته بدونِ تبعات قانونية, أو إرهاق للضمير الإنساني المأزوم أصلاً, الذي يكفيه بزعمهم عذابات إبادة شعب سوريا وبداية مَحوهِ منَ الوجود الاجتماعي.. ولـو أنَّ بشَّار الأخرق قتلَ رموز سوريا الثورة وأعدم من في السجون بأحكام قضائية كما يفعل المالكي وقتل من الشعب الثلثين كما سيفعل المالكي وأبقى على الثُلث بدون صخَب, لما تأزَّم الضميرُ العالمي المسكين.. ألم يكن بإمكان بشار أن يقتل شعبه في أفران بدلاً من إزعاج العالم بصراخهم؟!. يا لهُ من معتوهٍ فليذهب إلى الجحيم. لذلك العالم المُتحضر سيدعم المالكي بكُل شيء من أجل القضاء على ثورة العراق التي قد تُحيي بانتصارها أمةً ظلت نائمة عصوراً وتقضي على رفاهية المُتحضرينَ زيفاً خلفَ النجوم مُنذُ عصر النور..
إنَّ كُل التعساء في الأرض يخشون ثورات الربيع ويرتعدون من طوفان العراق والشام واليوم يقفون صفاً واحداً وفي خندقٍ واحد مع إجرام بشار الذي فآقَ إجرامهُ إجرام "نيرون" ومع الكُتلة البشرية المالكية المعجونة بكُل مفاهيم الطغيان, ليقضوا على ثورة الشام وثورة العراق, ظانين أنَّهُم قـد يؤخرون دوران التاريخ.. يـا للمعتوهين!, يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم وأفعالهم الإجرامية, لكنَّ الله غالب على أمره ولو كره الطغاة المُستبدون..
وفي الأخير أقول للثوار في العراق وفي سوريا: اصبروا وصابرو ورابطوا واعلموا أنَّ الله لن يخذلكُم, فقـد أذنَ سبحانه ببزوغ شمس حضارة مُغايرة للحضارة الحالية التي استنفدت كُل طاقتها الحيوية ولم تعُد قادرةً على العطاء أو الاستمرار في خدمة البشرية, بـل أصبحت اليوم عبئاً على وجودها وعلى الوجود الإنساني ويأبى الله إلا أن تكونواْ أنتم أداة فاعلة من أدوات التغيير الحضاري, وإنهُ لتشريفٌ إلهيٌ لكُم هذآ الاختيار وما أفعال الإبادة في سوريا والاغتيالات في العراق إلا بياناً للإنسانية أن هذه هي مُعطيات ضرورات التغيير الحضاري وهي في نفس الوقت المنتجة لأدواته وأسبابه وما أفكار المالكي وأدواته التنفيذية في إجهاض الثورة العراقية إلا إبداع في عالم الإجرام, سيقابله إبداع ثوري قادر على استيعابه واحتوائه والمُضي قُدماً في الحسم الثوري, فالدمُ المُراق على التراب الطاهر يولَّد دوماً بُركاناً يقذفُ حمماً تنصهر في أتونها كل أدوات التدمير البشري الشيطاني ويصبح فائقو الإجرام مجرد ذرات منصهرة في شظية كامنة في قعر جمرة تقذف بها فوهة ذات البركان.
د/ عبدالله الحاضري
المالكي واغتيال ثورة 1781