عندما أتحدث عن ثورة اجتماعية فإنني لا أعني أن تكون ثورة لها اعتصام وشهداء أو أن تثور طبقة اجتماعية ضد طبقة أخرى؛ وإنما أقصد بثورة اجتماعية هنا ثورة القيم والأخلاق, ثورة المساواة بين أفراد المجتمع اليمني الواحد؛ وبدرجة أساسية المساواة في الطبقة الاجتماعية, أي مساواة الإنسان لأخيه الإنسان في الحياة.. وبكل تأكيد إن هذه الثورات الشعبية السياسية الشكل في عالمنا العربي تعود امتداداتها إلى الخلفية الاجتماعية بالغة التعقيد التي تعشش في مجتمعاتنا العربية، فمثلا لو أدركنا جميعنا أهمية الإنسان لأخيه الإنسان بحيث لا تكون هناك تمايزات طبقية تمكن للإنسان أن يعلو مكانة في هذه الحياة أرفع من أخيه الآخر؛ لكنا نستطيع التعايش كأحزاب ومكونات سياسية دون إشكاليات ولربما كنا لسنا بحاجة إلى مثل هذه الثورات وذلك لأن الأحزاب العربية الحاكمة الثائرة عليها سيكون بإمكانها التعايش مع الأحزاب المعارضة لها والقبول بها كواجهة حقيقية وكعامل مساعد لها في بناء الإنسان والأوطان، لكن درجة الانفراد والاحتكار التي وصلت إليه هذه الأحزاب الحاكمة في البلدان العربية الثائرة قد جعلها تسد الأفق على الجميع بشكل نهائي حتى أنه لم يعد هناك أي متنفس آخر سوى خروج الشعوب بالملايين تهتف لإسقاطها.. وبما أن هذه المجتمعات العربية قد ثارت ضد من كان يحتكرها ويستعبدها يجب علينا أن نعود إلى خلفياتنا الاجتماعية ونعمل على تصحيحها أيضا حتى نجعل منها خلفية مرنة قابلة لأن نبني عليها دولة مدنية متطورة وحديثة، لأنه ليس من المعقول أن نثور ضد الاحتكار السياسي ونتجاهل الاحتكارات والتمايزات الاجتماعية ليس من المعقول أن نثور ضد من لم يشركنا في الحكم وحق القرار ونتجاهل أولئك الذين لم نشركهم حق المساواة في الحياة والعيش الكريم. ففي مجتمعنا اليمني الذي تجاوز على مدى تاريخه الطويل خطر التعامل بالطائفية والمذهبية فكنا على مدى التاريخ في صف واحد لا نعرف الزيدي من الشافعي نتيجة لما وصلنا إليه من درجة من ثقافة التعايش وهذا شيء يحسب لنا؛ إلا أن هناك للأسف الشديد بعض الفوارق والتمايزات الطبقية التي مازلنا غير قادرين على أن نتخلى عنها؛ مع أن هذه الفوارق والتمايزات هي من صناعة الإنسان نفسه والدليل على ذلك أن ديننا الإسلامي الحنيف قضاء على مثل هذه الفوارق الطبقية كما أنه حرم التعامل بها، ورسول الإسلام هو الآخر لم يعود بنا إلى خلفيتنا الاجتماعية إلى ما قبل ثلاثة آلاف سنة, بل إنه عاد بنا إلى أصلنا الاجتماعي الأول وذلك حين وقف في خطبة الوداع محدثاً المسلمين قائلاً: كلكم لآدم.. مؤكدا أن لا فرق بين إنسان وآخر إلا بالتقوى.
ومع هذا فإننا سرنا على غير ذلك وصرنا نضع لهذه الحياة حواجز طبقية تكون حاجزا بين مكوناته الاجتماعية؛ فعلى سبيل المثال في بلدنا نجد البعض من المكونات الاجتماعية لا يتزاوجون إلا فيما بينهم ولا يمارسون إلا مهنهم التي حددتها لهم نظريات المجتمع المتخلفة والخاطئة، في حين أن هذه المكونات لا تختلف عليها المكونات الأخرى لا في الشكل ولا في اللون ولا في نهج الحياة.. ومع ذلك يرون أن نصيب هذه المكونات من الحياة الواسعة هو مجرد مربع في أضيق حدوده، إلى ذلك توجد بعض الأقليات والفئات التي تعاني ظلم المجتمع وتهميشه لها ؛مع أن الأقليات الدينية في اليمن ينقصها حقها في التمثيل السياسي وممارسة حقوقهم العقائدية فقط، إلا أنه تبقى الفئة المهمشة التي ظلمها المجتمع اليمني وجعل أفرادها لا يعرفون إلا تحت مسمى هذا الهامش هم الأكثر اضطهادا في البلد فهم لا يزالون يفتقدون حقهم في الحياة من تعليم ،وصحة ،والتمثيل في المنظمات الحقوقية والإنسانية وانخراطهم في المكونات الحزبية والسياسية، وعلى مستوى مزاولتهم لحق العمل نرى أنهم وحدهم هم عمال البلدية المنظفين لأحياء وشوارع المدن اليمنية ولو لم يكن لهم وجود في هذا البلد لكان غرورنا وتعاملنا في الحياة على أساس الفوارق الطبقية المتخلفة يحتم علينا أن ننام ونصحوا تحت أكوام القمامة لأننا لا نزال نؤمن أن مهنة نظافة الأحياء والشوارع هو من حق طبقة معينة؛ والمحزن أن هناك من يصادر حق إخواننا المهمشين حق الانتماء الوطني وأنهم مجرد أحباش ونسوا أن رسولنا الكريم قد جعل من بلال العبد الحبشي رضي الله عنه جليسه المقرب ومؤذنه الخاص.. وكم كان ذلك محزننا عندما تحدث الممثل الكريم لهذه الفئة في مؤتمر الحوار بعد أن أكدوا له أن وقت حديثه انتهى رد عليهم قائلا لهم: أسمحوا لي أن أتحدث فأنا لم أتكلم منذ ألف وثلاثمائة عام، في الأخير إذا كنا نرى أننا من هذه الثورة الشبابية سنودع الفساد والتسلط والاحتكار السياسي فيجب علينا أن نودع من خلالها أيضا هذه الفوارق والتمايزات الطبقية الضارة بنا وبمجتمعنا لأن الدولة المدنية التي نحلم بها تقتضي أن نعيش فيها أفراد متساوون في الشأن والحقوق إضافة إلى أن مثل ذلك واجب علينا فالإسلام يدعونا إليه؛ أما أننا ندًعي بأننا مسلمون وأننا خير أمة أخرجت للناس ونتعامل على عكس ذلك فهذا والله عيب علينا، فهل نحن على استعداد لأن تكون لنا خلفية اجتماعية واحدة لا تحدها أي فوارق أو تمايزات طبقية؟.
محسن فضل
ثورة لأجل خلفية اجتماعية واحدة 1280