إن التسامح الذي تحدثت عنه وما زلت قيمة عظمى لا يمكن للثوار وغيرهم بناء الدولة المدنية المنشودة بدونه، فإنعكاسات التسامح على الحياة كثيرة وكبيرة وهو قيمة تعزز قيماً متعددة سأذكر أبرزها حيث على رأسها تعزيز الحرية..
أولا: تعزيز قيمة الحرية
إن التسامح يفتح آفاقاً جديدة في فهم حقوق الآخرين وواجباتهم تجاه غيرهم، وعدم فرض قيود على الآخرين وهذا يتيح تحول الأفراد والمجموعات لمزيد من التمدن ويؤصل من قيمة الحرية.
إن الحد من سلطة السلطة والقوة لدى الفرد والتفكير بطريقة متعايشة ومحبة للآخرين يدعو لمزيد من تشذيب سلوكياتنا وتقنينها نحو الحقوق والواجبات التي تؤطر حياتنا.
فالسلطة المتسامحة حينما تترك للشعب أن يكون مسؤولاً لما سيختاره لنفسه، فإنها في واقع الأمر ستساهم في دفع الأفراد للحد من سلطتهم تجاه غيرهم وسنجد أنفسنا في أحضان دولة مدنية يحكمها القانون ويسودها التبادل المنفعي مما يؤدي إلى تعزيز العدالة بشكل كبير.
بل إن التسامح سيساهم بجدية في تكريس الأطر الديمقراطية، ذلك أن جزءاً كبيراً من مفهوم الديمقراطية يرتبط بالمشاعر الشخصية فاحترام الأغلبية لرأي الأقلية يتطلب روحية معنوية خاصة تتقبل احترام الأقلية وترتضي عن طيب خاطر ممارسة الأقلية حقوقها المشروعة وشعائرها.
ثانياً: تحقيق العدالة
إن كل شخص لديه الحق في التسامح المساوي لحقوق الآخرين، فلا نستطيع أن نقول أن التسامح يقتصر على آرائنا وأعمالنا وسلوكياتنا ولا يحق لآراء وأعمال الآخرين التمتع به.
إن ذلك سيكرس مفهوماً تكاملياً جديداً للعدالة في المجتمع ويضيف أبعاداً أكثر أهمية من خلال المناصفة وتوزع الحقوق على الجميع بشكل عادل ومساوٍ.
ثالثا: التسامح الاجتماعي مجال خصب لصناعة الأفكار:
يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الرفق رأس الحكمة).
إن التسامح يدعو لفهم الأفكار واستيعابها ويعمل على استحواذ انتباهنا لخلفيات كافة الأفكار المحيطة بنا وخاصة أفكار الآخرين المنافسين أو الأنداد، وإن كانت وجهة نظرنا تبدو غريبة وكريهة وغير منطقية.
ففي الوقت الذي تطالب وبإلحاح الاهتمام الجدي بما تقوله وتطرحه من أفكار ومعتقدات فأنت مطالب أيضاً بالاستماع والانتباه لما يقوله الآخرون.
إن التبادل الأخلاقي مع الآخرين وفكرهم ينطوي على صناعة وتأصيل الوعي المتزايد ويشكل خلفية ثقافية ناهضة تقبل على قراءة وتفحص ما يتبناه الآخر المختلف كما يتفحص الآخرون فكرنا، مما يثري الساحة ويحدث موجة من التلاقح الفكري والحيوي والثقافي.
والتسامح كذلك يؤسس قاعدة تغيير أفكار الآخرين على أسس عقلانية وهو بحد ذاته جهد ثقافي وفكري جبار مما يلزم إحداث تجديد فكري وثقافي في الأمة يتناسب وعقلانية قادرة على مجاراة النهوض الفكري المنتشر، خصوصاً وما يحدث اليوم على الساحة العالمية من نظرتها تجاه الإسلام هذه النظرة التي البسها بعض المتطرفين ليظهروا للعالم أن الإسلام لا يحمل مثل هذه الخصيصة الإنسانية، فعن طريق التسامح يكون العمل على صياغة آليات عمل مناسبة لصهر الجميع في بوتقة المجتمع والدولة وعدم إتاحة الفرصة لتغلغل مشاعر الفرقة والشتات والضياع.
محمد سيف عبدالله العدينى
التسامح وتعزيز القيم الكبرى 1250