كغيري من المواطنين لم افهم ما هو المنطق الذى احتكمت اليه القيادات الجنوبية المتواجدة في الخارج عندما اعلنت رفضها للحوار رغم ادراكها ان هناك اغلبية كبيرة وشريحة عريضة من ابناء الجنوب تتبنى افكاراً ومواقف مختلفة عن تلك المواقف التي تتبناها وان هذه الاغلبية الكبيرة هي من تمتلك الاهلية التي تخولها للحديث عن القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار والوصول الى افضل الخيارات والحلول العادلة والمنصفة لهذه القضية.
وكغيري من المواطنين لا ادري ماهي الاسباب والمبررات التي دفعت بعدد من هذه القيادات الى مطالبة المبعوث الاممي الى اليمن, جمال بن عمر, بضمانات محددة كشرط لمشاركتها في الحوار؟ ولماذا تراجعت تلك القيادات عن هذا الموقف عندما علمت ان المبادرة الخليجية والقرارات الصادرة عن مجلس الامن بخصوص الازمة اليمنية قد وفرت مثل تلك الضمانات التي طالبت بها ثم تنكرت لها, بل واعترضت عليها جملة وتفصيلاً.. ولا افهم لماذا تصر هذه القيادات على التعامل مع الماضي كوقود لمواجهة الحاضر وربما لصراعات المستقبل مع انها ليست مبرأة من اخطاء وخطايا ذلك الماضي, ان لم تكن ضالعة في معظم سيناريوهاته ونكباته, كما انها ليست من الطهر والنقاء الذى يتيح لها اعادة كتابة التاريخ وفق رؤيتها ومنطقها وليست في وضع يؤهلها لممارسة دور الوصاية على ابناء المحافظات الجنوبية وابتداع هوية جديدة لهم بدلاً عن هويتهم اليمنية, باعتبارهم ليسوا في حكم الوافد العابر على هذه الهوية!.
كما اني لم اجد تفسيراً معقولاً او مقنعاً لتخندق هذه القيادات التي تتنقل بين عدد من العواصم العربية والاوروبية وراء رهانات جميعها خاسرة ولا تلقى رواجاً او قبولاً في الداخل او الخارج سواء منها المواقف التي تنادي بالانفصال أياً كانت مالات التسوية او تلك التي تطالب بحق تقرير المصير بعد خمس سنوات من اختبار تجربة الفيدرالية بين اقليمين جنوبي وشمالي, رغم معرفتها من ان اي انقسام سيكون كارثياً ومحرقة لن ينجو منها احد ورغم علمها ايضاً ان قدر الجنوب والشمال هو ان يعيشا في اطار جامع ودولة واحدة.
والمؤكد ان القوى التي امتنعت عن المشاركة في الحوار قد اخطأت في المجمل, فقد فوتت فرصة ذهبية مؤاتية لتأخذ دورها الاساسي في العملية السياسية التي بدأت تتبلور باستعداد كافة الاطراف اليمنية لمعالجة ما كان يشكو منه الجنوبيون من عوامل الاقصاء والتهميش.. كما اخطأت تلك القوى حينما لم تستوعب طبيعة التغيير الذي تشهده اليمن وحدود الممكنات السياسية الناجمة عن هذا التغيير المسنود بدعم اقليمي ودولي.
واخطأت القوى التي اعلنت مقاطعتها للحوار عندما تجاهلت حقائق الواقع وانساقت في اتجاه المراهنة على قدرتها في فرض الانفصال على اليمنيين بالقوة بعد ان وجدت في الفترة الماضية انها قد نجحت في تقديم نفسها لوسائل الاعلام العربية والدولية كممثلة للجنوب ومتحدثة باسمه واخطأت خطأ جسيماً عندما لجأت الى تقاسم الادوار فيما بينها ومحاولة التأثير على مؤتمر الحوار ومسارات مناقشاته, كما حدث صباح يوم الاربعاء الماضي والذي اوعزت فيه لبعض التابعين لها بإرسال رسائل sms الى هواتف عدد من المشاركين من المحافظات الجنوبية في مؤتمر الحوار تخبرهم فيها بان الامن قد ارتكب مجزرة ومذبحة دموية بحق المتظاهرين السلميين في مدينة المعلا وان المطلوب منهم الانسحاب فوراً من المؤتمر والعودة الى مناطقهم, فيما الحقيقية ان احداً لم يقتل وان تلك التسريبات كاذبة بالمطلق وان الهدف منها ليس اكثر من دفع اولئك الى تفجير المؤتمر من داخله.
ولابد وان علامات استفهام كثيرة قد شغلت بعض المواطنين وان شكوكاً عديدة ايضاً قد دارت في اذهانهم بعد تلك المحاولة, من ان ثمة من يسعى بكل ما لديه من دوافع الى افشال مؤتمر الحوار الوطني, أو على الاقل دفعه الى خارج مربع اولوياته الاساسية وهو ما ينبغي الحذر منه خصوصاً بعد ان ارتفعت النبرة التصعيدية في خطاب بعض المشاركين الذين عمدوا في مداخلاتهم الى التحشيد المناطقي والمصطلحات (المفخخة) التي يراد بها دغدغة عواطف البسطاء واثارة الغرائز البدائية عندهم.
ونتيجة لكل ذلك فلم استغرب ما سمعته من احد ممثلي الشباب الى المؤتمر والذى اشار الى ان هناك من جاء الى الحوار لغايات تكتيكية او استراتيجية, اما بهدف تحقيق المزيد من الكسب السياسي في الشارع الجنوبي او برغبة الحصول على مكسب مالي او منفعة شخصية تعود عليه من القيادات المناوئة للحوار في الخارج الذين يتاجرون بالقضية الجنوبية ومن بينهم من رضي لنفسه ان يصبح مجرد دمية رخيصة تحركها اياد خارجية كما تشاء وفي الوقت الذي تريد.
والخطورة هنا لا تنبع في وجود من يتبنى خطط واهداف علي سالم البيض او حيدر العطاس او غيرهما من المغامرين السياسيين داخل مؤتمر الحوار وانما تكمن في الطرح المتطرف الذي قد يفتح الباب على مصراعيه لنهش البنية الاجتماعية بأدوات هذه البنية نفسها وذلك يقتضي من الحكماء والعقلاء وكل من كان قلبه على اليمن تعرية الاصوات الاقصائية المشحونة بشعور الغلبة وامتلاك الحقيقة المطلقة وصلافة التعالي والتمييز الفارغين.
علي ناجي الرعوي
السياسيون المغامرون!! 2734