في الثامن عشر من مارس سنة2011م كانت ثورة الشباب الشعبية السلمية قد استطاعت, بما قدمه الشباب في ساحات الحرية, أن توصل رسالة للعالم بأنها ثورة حقيقية من أجل التغيير نحو الأفضل, فيما فشل النظام في حينه في تقديم نفسه بأنه الديمقراطي الوحيد في المنطقة كما كان يردد منذ عقود.
اندلعت الشرارة الحقيقية للثورة الشبابية في الحادي عشر من فبراير في نفس العام إثر سقوط نظام حسني مبارك, فقرر شباب اليمن وكل قواه الحية المضي نحو الأمام متجاوزين نظام صالح الذي حكم اليمن ثلاثة وثلاثين عاماً وعجز تماماً أن يحدث نقلة حضارية في حياة اليمنيين الذين كان من حقهم وبمقدورهم أن يعيشوا كما تعيش شعوب أخرى من حولهم كانت في بداية عهد صالح تمر بظروف اقتصادية واجتماعية وتنموية تشبه أوضاع اليمن إلى حد كبير.. غير أن ما حدث هو العكس, فقد انطلق الآخرون نحو القمة والمجد, فيما عشعش التخلف في ربوع اليمن واستشرى الفساد في كل شيء حتى وصلت اليمن إلى حافة الهاوية ودق العالم ناقوس الخطرسنة2010م بإعلان اليمن دولة قريبة من الفشل.
كل هذه التراكمات الخطيرة ولهث النظام وراء مشروع التوريث عزز قناعة اليمنيين أن النظام الجاثم على صدورهم أصبح خطراً على نفسه وعلى اليمن وعلى المنطقة والعالم. تحركت قوافل الشباب اليمني إلى ساحات التغيير وقدموا للعالم اسمى ما لديهم من القيم والأخلاق, حتى أن الرئيس أوباما ذكر في خطاب له أن العالم يتعلم اليوم من ثورات الربيع العربي الكثير.. وأضاف أن شاباً في صنعاء خرج يردد إذا الشعب يوماً أراد الحياة لا يمكن أن يعود إلى منزله قبل إكمال مهمته.. لقد أصبحت ساحة التغيير أمام بوابة جامعة صنعاء مدينة مزدهرة حسب تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش عن مذبحة الكرامة.
النظام بدوره قدم أسوأ ما لديه, حيث حرض أجهزته الأمنية على الساحات وكان يطلق عليها ساحات التغرير, فحصد أرواح الشباب الطاهر وتبارى المجرمون القتلة في قدرتهم على القنص في الرأس والرقبة فقط وكان كلما سقط شاب مضرج بالدماء تبادل القتلة صيحات النصر والتصفيق مشيدين بدقة التصويب.. استمر المشهد الثوري الرائع يقدم دروساً للعالم في حضارية الثورة السلمية واستمر النظام في غلوه وإثخانه في القتل وجلب المجرمين من مناطق مختلفة إلى أمانة العاصمة وأرحب والحيمة والحصبة وتعز وعدن واب واستمرت أنهار الدماء البريئة تتدفق من جماجم الشباب ونحورهم, فيسيل لها لعاب الذئاب البشرية التي كانت تنتشي وهي مخدرة بمصارع شباب الثورة السلمية في كل الميادين.. كان كل عاقل يعرف أن قطرات الدماء تلك ترسم بكل تأكيد نهاية حاسمة لنظام متخلف جعل اليمن من أفقر دول العالم حسب تقرير الأمم المتحدة الإنمائي لسنة2012م.. لقد استهتر النظام بكل شيء, فيما كان الجلادون والمجرمون يطمئنون الديكتاتور أن كل شيء على ما يرام وسوف يرضخ الجميع قريباً لسيف الجلاد ونطع مساعديه, وكل يعمل على شاكلته.
كانت اللحظة الفاصلة وساعة الصفر هي تلك التي رآها العالم بحزن شديد بعد أن أدى شباب الثورة السلمية صلاة الجمعة في ساحة التغيير بأمانة العاصمة ظهيرة الثامن عشر من مارس سنة2011مز وانصرفوا من الصلاة وكل يحدث نفسه عن المستقبل المشرق الذي ينتظره, فيما قناصة صالح أخذوا وضع الاستعداد وعمروا أسلحتهم وبدأت الرؤوس تتطاير وأجساد شباب الثورة تسقط صرعى حول السور الرهيب الذي أقامه النظام في بداية شارع الرقاص وجهز ما حوله لارتكاب المجزرة البشعة.. مئات الملايين حول العالم يشهدون أن ما كان يندفع بغزاره من مقدمة جمجمة الشهيد صلاح الشرماني هو دم حقيقي, فيما كان عبده الجندي يقدر أن ذلك الدم هو في حقيقة الأمر شراب الفيمتو, فقتل كيف قدر.
يومها كان العالم أجمع يترقب كيف سيتصرف علي عبدالله صالح إزاء تلك الجريمة النكراء وما هي الإجراءات الحازمة والحاسمة التي سيتخذها, باعتباره المسئول الأول عما يجري من قتل.. كان أكثر الشخصيات اليمنية استعجالاً لمعرفة ما سوف يصدر عن الرئاسة هو اللواء/ علي محسن صالح.. ارتباطه بنظام صالح معلوم، حساباته الشخصية والقبلية والاجتماعية والعسكرية لا تخفى على أحد, أعداؤه بسبب وقوفه مع صالح وتحريض صالح عليه كثيرون.. ذرفت عيناه الدموع وهو في مكتبه بقيادة الفرقة الأولى مدرع, حيث كان كغيره من الملايين يتابع ما تبثه الجزيرة والعربية وسهيل وغيرها من مشاهد مروعه, كان اللواء علي محسن قبل هذه المجزرة بأيام في دار الرئاسة يحاول كبح جماح صالح وحذره بوضوح أن سفك الدماء مرفوض, بل هو خط أحمر.
لقد كان مشهد أحد شباب الثورة, ويداه مضرجتان بدماء صديقه الشهيد صلاح الشرماني والشاب يمسح بتلك الدماء صدره ويصيح من هول المشهد, كافياً لكي يحسم الجنرال أمره ويعلن دعمه وتأييده لثورة الشباب الشعبية السلمية.. بعد ثلاثة ليال من مجزرة جمعة الكرامة وفي الحادي والعشرين من مارس2011م.. كش ملك: حقاً لقد سقط نظام صالح.