الذهاب الى المغالطات وإرهاق الحال في إلقاء المعاذير والإدعاء الغير موفق في تنازل الزعيم عن السلطة طواعية، إنما هو ضرب من الخيال الذي يعتري النظام السابق ظنا منه أنه قادر على الإقناع ومغالطة تاريخ نضال وثورة وتضحيات شهداء وجرحى ومخطوفين مازالوا رهن الإعتقال وشاهد حي على قمع النظام السابق لمن خرجوا ينادون بالحرية والتغيير بصدور عارية وشعار سلمية. ولعل جمعة الكرامة وما حدث في تعز وفي العديد من الساحات اليمنية، تدين نظام قمع كانت له سطوته في إزهاق الأرواح وجعل الوطن كله خوف ورعب على مستوى الأزقة والحارات، وهذا كله سيبقى للتاريخ وفي ذمة المؤرخين الذين بلا شك سيقفون على قتل ودمار وخراب ودماء وسجون من أجل إزاحته كنظام أراد قلع عداد الثورة وأهدافها الخالدة واستبدالها بنظام توريث صالحي عبر عنه مثقفين من ذات الصف ومهدوا له بما سموه الدولة (الصالحية)، وجامع الصالح، ومؤسسة الصالح،.... الخ، وبلغ الحال بمنظرين آخرين لأن يطلقوا الدولة الصالحية كماركة مسجلة للزعيم وذويه والتي انطلقت ودشنت نفسها كمرحلة غير مسبوقة في نظام التوريث، وقد توافق هذا مع ما كان مخطط له في مصر نظام مبارك، وفي ليبيا نظام القذافي، وتأسيسا على ما سبق نظام الأسد. وهنا نفهم المغزى من توافق ذات الأنظمة على اختيار الخلف لها باعتبار أن تجربة سورية مثال يحتذى به، ودونما نظرة واقعية لأبعاد التحولات التي حدثت ولمتغيرات حقيقية طالت المنطقة باسم الفوضى البنأة ودون النظر ولواقع مؤلم ساد فيه الفساد واستولى على مقدرات تلك الشعوب ما يشبه العصابات، وتم إزاحة القوى الفاعلة التغييرية المنتمية ليبقى الوطن والأوطان حكرا بيد قوى انتفاعية تكلست في مفاهيمها وغرها النهب والجشع والسطو على المقدرات. ولم تستطع أن تقرأ القادم وقد صار فيه الشباب قوة حقيقية تمتلك إرادة التغيير وقوة الفعل وتنتمي للمعاصرة في التعامل الخلاق مع تقنية الإتصالات أو ما يسمى الفضاء (السيبر نطيقي) وهو الذي أتاح قدرا كبيرا من المعلومات عن فساد الأنظمة واحتكارها للسلطة بعقلية المتفيد المستحوذ الأناني في ظل تفاقم الحالة الإقتصادية وتنامي البطالة واستلاب المواطنين حقهم في الحياة والتعبير والبقاء على مفردة الزعيم البطل الفذ العظيم المفكر الخلاق الملهم الحكيم القائد الضرورة الذي لولاه لما كان الوطن وطنا ولا الحياة حياة، وإزاء هذا التعبد الغير مجدي والذي وضع غشاوة على أعين النظام ودفعه الى الغرور، كان لابد أن يتخلق في الواقع شيء يعبر عن الجديد، وعن قوة الفعل المناوئ للبالي المستحوذ القاهر الأناني وان يطال التغيير كل مفاصل الحياة، وينطلق من الساحات ومن تقنية الإتصالات، الجوالات والإنترنت وفضاءات التعبير الأخرى والمعبرة عن رفض التدجين ومصادرة حقوق شعب وامتلاك مستقبل الآخرين، هذا الوعي المضطرد تنامى وازداد في حين بقى الزعيم والزعامات في سبات غرورهم وادعائهم أنهم أنصاف آلهة لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم حتى ضجت من غلف قولوبهم الساحات، وثار الشباب الباحث عن تطلعاته واتخذ من الثورة السلمية منطلقا لتكوين إرادة فاعلة قوية خلاقة ترفض كل ما يمت للآسن الراكد بصلة وبعد جهد تهاوت أصنام كل من (بن علي، مبارك، القذافي، الصالح) ومازال في الطريق معالم ثورة وتغيير تكتسح الطاغية وتلتهمه (الأسد) نموذجا ـ، وما يستغرب له المتابع والباحث أن يبقى الذين أزاحتهم الثورة مصرين أنهم من سلم الراية لمن بعدهم من تلقاء أنفسهم وعلى هذا الأساس يخلقون تعايش وهمي مع ذواتهم ويبقون في حالات التخبط حتى في اتخاذ المواقف التي لا تعود عليهم بالنفع ولا تقدم ما يستحق الإلتفات إليه. في المقابل ثمة تحرك عالمي يدين ذات القوى في النظام السابق باعتباره حجر عثرة في طريق التغيير مهما احتفى بأعياد الميلاد أو بتسليم السلطة فكل ذلك لا يقدم ولا يؤخر شيئا من الحقيقة التي هي باختصار أن الشباب ومعهم الجيش الحر المنحاز إلى فعل التغيير هم من صنعوا النصر وحققوا الفعل الخلاق الرافض للتوريث وللنظام السابق بكل مفرداته. ليبقى هنا للثورة الشبابية إيمانها وقواها النضالية وساحاتها الملهمة وجيشها الحر البطل المدافع ببسالة عنها من أي اختراق أو محاولة ترهيب وبطش بالقوى النضالية، وهو أمر بات واضحا ومتحققا لامجال فيه للمغالطة والإدعاء وتزييف الحقائق. حيث الشباب والجيش الحر البطل والقوى النضالية، هم من صنعوا التحولات العظيمة، ليبقى النصر واضحا وكبيرا لا يمسسه تلفيق ولا وهم ولا تزييف، فالشهداء بوصلة وطن يدمغون كل من يحاول أن يقدم المغالطات من أجل رضا الزعيم، والواقع أن كل الزعامات تلاشت وانتهت وأخفقت في إنجاز ما هو وطني وبقت الإدعاءات كلها خالية المعنى وإدانة لها مهما ذهبت في الزيف أنها من قدم التغيير وسلم الراية، ومهما استبد بها الحنين الى السلطة واتخذت مناسبات ترضي نفسها، فليس كل ذلك سوى تذكار حنين وبقايا طمع في التسلط والزعامة وحالة نفس تغترف لها حلما سرعان ما يبدده الصباح ورايات الوطن والجيش الحر الذي انتصر للشهداء في الساحات ولآلام الجرحى وأنين المختطفين.. فطوبى لقوى الحرية والفرح والتغيير طوبى للشهداء وهم يسجلون باستشهادهم. أن فعل الثورة كان بدماء سالت وليس بطواعية حاكم مستبد كما يريد اليوم قوله ولكن من خلال تضحيات وبطولات ستبقى علامة فارقة في تاريخ النضال الوطني مهما كانت مساحة التهنئة بعيد الميلاد ومهما كبرت ((تورتة)) المحتفي بعيده.
محمد اللوزي
التنازل المرغوم عن السلطة 1852