لو نستعرض ما تحتفظ به ذاكرتنا من صور مأساوية لما خلفتها أحداث ثورات الربيع العربي، وما تركت من آثار مؤلمة مثل ما حدث في تونس التي اشعلت فتيل الثورة ولحقت بها ليبيا، ومصر، وسوريا، والذي مازال أبناؤها يدفعون ثمنها من الأرواح والدماء والمعاناة والجوع حتى الآن.. سنجد أن ما حدث في اليمن من تبادل سلمي للسلطة كان هو أفضل الخيارات لعملية التغيير.. حين انتقل اليمنيون من ساحات القتال والفرقة إلى ساحة الحوار الذي جمعهم على طاولة واحدة ليس من أجل مصالحهم أو مصالح أحزابهم ولكن من أجل الحفاظ على مصلحة اليمن الذي يتحملون جميعاً مسؤولية أعبائه وآماله وتطلعاته وسلامته.
حيث مثّل مؤتمر الحوار اليمني الأنموذج المتميز لثورات الربيع العربي الذي زرع التفاؤل في نفوس اليمنيين، ورسم البسمة في وجوههم... وبارقة الأمل الذي يمكن أن يضيء سماوات تلك الدول التي اجتاحتها رياح التغيير ليخرجوا بالحوار من دوامة العنف إلى آفاق رحبة من التفاهم والتي لن يفض استمرار خلافاتهم إلا لمزيد من الدم والخراب لأوطانهم.
مثل ما يحدث الآن في سوريا التي مازالت أجواؤها ملبدة بغيوم الأدخنة وزخات القنابل وأزيز الطائرات والصورايخ مع تزايد الاغتيالات والتفجيرات التي لم تستثنِ أحداً منهم حتى الأطفال والنساء والشيوخ لم يسلموا منها حتى أصبحت بلدهم بسببها على شفا حفرة من الانهيار والدمار الشامل.. إذا لم يسارع فرقاء العمل السياسي في سوريا إلى الاتفاق, بحيث يتخلى النظام عن التحدي والمعارضة عن المزايدة ويحتكمون جميعاً إلى صوت العقل والمنطق ويتصالحون تصالحاً صادقاً تتراجع فيه أصوات المدافع ويتقدمها صوت الحق والحوار ليس من أجل أنفسهم ولكن من أجل سوريا وشعبها المكلوم بالحزن والمجهول والمخيف الذي تخبئه لهم الأيام القادمة والتي ستكون عليهم بصورة أشد وطأة من سابقتها.
وبهذه الصدد ومع بدء اجتماعات القمة العربية بالدوحة والمكرسة لمواجهة الموقف الراهن الذي تعيشه الأمة العربية ومناقشة مجمل القضايا العربية العالقة والبحث عن الحلول المناسبة لها فإننا ندعو الاخوة رؤساء وملوك أمتنا العربية إلى أن يدركوا المتغيرات في منطقتهم العربية، ويعملوا على انقاذها مما تعانيه وأن يستشفوا آفاق المستقبل بصورة علمية وواقعية ويحاولوا العثور على الطريق الصحيح للسلام والبناء والتنمية، وضمان رفاهية مواطنيهم التواقين للعيش في أوطان آمنة ومستقرة بعيداً عن شبح الخوف والقتل الذي يهددهم..
كما نناشد عقلاء وحكماء بلدان ثورات الشباب العربي وساساتها أن يدركوا حجم المؤامرات والأخطار المحدقة بأوطانهم ويتحملوا مسؤوليتهم بكل الجدية والجدارة والإخلاص والأمانة وينتهجوا لغة الحوار كحل وحيد لعملية التغيير الذي تنشده شعوبهم، ويستفيدوا من تجربة اليمنيين في احتكامهم للحوار الذي ضربوا من خلاله أروع الأمثلة في التداول السلمي للسلطة، وقدموا صورة مشرفة للإنسان اليمني الحريص على مصلحة وطنه قبل مصالحه الشخصية.