إن الحوار الوطني الشامل مهمة وطنية كبيرة وهي تتطلب شراكة مجتمعية في التهيئة لقراراته ولتفاعل المجتمع معه، حتى يحظى الوطن بأحسن المخرجات الممكنة من هذا الحوار الذي تعقد عليه آمال كبيرة في حاضر اليمن ومستقبلها.. من هنا فالجميع مدعوون للإسهام في توسيع شرايين الوطن لتقبل الحوار ومخرجاته ولإفساح الطريق للتثاقف الوطني الوسيع بما يحقق الالتحام الوطني حول قضايا الوطن الملحة، وفي طليعة من لهم هذ الدور التنويري الهام يقف المعلمون في مدارسهم؛ لأن المعلم يتبوأ مكانة رسالية كبيرة.. هذا من جهة ومن جهة أخرى فالشريحة التي يربيها هي نصف الحاضر وكل المستقبل، مما يوجب عليه أن يكون صاحب دور قيادي في الحوار الوطني الشامل دور توعوي ينتظر منه أن يتملك ناصية العملية التنويرية في اليمن
إن المعلم يعد قائدا اجتماعيا بامتياز، فهو يقود سفينة الحياة من خلال التربية، هذه السفينة التي تتقاذفها الأمواج في خضم بحر الحياة، وهذه الأمواج أنواع شتى على المتعلمين، منها شواغل تشغله عن مسيرته الصادقة مع الله تعالى، فينسى أن من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع، وأن الملائكة تضع جنحتها لطالب العلم رضى بما يصنع، وأن من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، أو معيقات تعيقه فتسرقه شلة رفاق السوء فالصاحب ساحب، أو تجعله يهمل دروسه ولا يذاكر واجباته، وسفينة الحياة التي يقودها المعلم في عالم الأفكار والعقول، فالحرب اليوم في العالم كله هي معركة عقول وقلوب تنتج عنها مواقف، وتخرج منها الأمم منتصرة أو منهزمة.
إن المجتمع أوكل مهمة التربية الجسيمة إلى مؤسسة المدرسة، ووضع الناس بداخل الوعاء المدرسي أحب شيء يملكونه، وأهم شيء يعيشون في حياتهم الدنيا لأجله بعد دينهم, ألا وهو أبناءهم، فهم يضعون فلذات أكبادهم، وهذه المهمة الاجتماعية هي أخطر مهمة على الإطلاق نظرا لأهميتها وقيمتها وحيوتها وكونها هي الأمة والوطن، فالمعلم هو أعظم قائد اجتماعي داخل المجتمع بكل تأكيد.
إن التوعية بأهمية مؤتمر الحوار والتعريف بالأدوار التي ينتظرها اليمن من هذا الحوار والإرشاد إلى ما يجب فعله في تدعيم ثقافة الحوار ورفض مشاريع العنف؛ لأن الإخوة يتحاورون، وحوارهم يقودهم من خلال تبادل الآراء ومناقشة القضايا للتوصل إلى الحل الأمثل، فمشاكل اليمنيين قابلة للحل إذا تحاور اليمنيون حولها ورفضوا كل مشاريع العنف التي هي أخطر ما يتربص باليمن واليمنيين.
من هنا فمؤتمر الحوار يعد فرصة أخيرة وربما وحيدة لأنه إنقاذ لليمن من دوامة الحرب الأهلية, يضاف إلى ذلك أن التغيير نحو الأفضل أو نحو الأسوأ يكون للمعلم دور فيه، فهو إما أن يدفع نحو الأفضل من خلال التربية التي تجعل المجتمع ينهض بكامل قدراته نحو الأفضل، أو أن يتقاعس عن هذا الدور فتنتشر الأوبئة الاجتماعية في المجتمع ويصاب المجتمع بالأمراض والمصائب، فيكون شريكاً بصمته في التغيير نحو الأسوأ.
1. المعلم قائد اجتماعي بامتياز ودوره مهم في تنوير المجتمع بأهمية الحوار
إن المعلم باعتباره قائداً اجتماعياً يقوم بواجبه في كونه الرائد الذي لا يكذب أهله، فهو يقود عملية التغيير لتصبح الأنفس محبة لله، لصلاح القلوب عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" متفق عليه.
من هنا يعتني المعلم بالتربية الإسلامية على نهج القرآن الكريم وسنة النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم، الذي أمره الله تعالى بالجدال بالتي هي أحسن، وبالموعظة الحسنة، والذي ضرب أروع أمثلة التسامح والصفح، ويستطيع المعلم من خلال إيجاد الحلقات التربوية أن تحصن المتعلم من التطرف والغلو الذي يقدمه أصحاب الأهواء الذين يسبون الصحابة ويتهمون أم المؤمنين عائشة ويؤذون رسوله عليه الصلاة والسلام في عرضه، فيقوم المعلم بكافة الأنشطة التي تستوعب قدرات التلاميذ، وتحبب إليهم عمل الخير، وتجعلهم على هدى من الله وبصيرة، ويبذل في سبيل ذلك وقتاً وجهداً يرجو ثوابه عند الله تعالى، فيدركون أن الحوار والتحاور هو منطلق العمل داخل المجتمع المسلم وأن دماء المسلمين حرام وأعراضهم حرام وأموالهم حرام.
إن المعلم باعتباره قائداً اجتماعياً يحمل همَّ الوطن, فما الوطن سوى مجموع المواطنين، فلو أصلحنا من أنفسنا، وقام كل معلم بتربية من لديه تربية إسلامية صحيحة لتحول المجتمع من حال إلى حال، فتنتشر صلة الأرحام، وطاعة الوالدين، والقيام بالوظيفة العامة خير قيام، وأداء الحقوق إلى أهلها، فالمواطن الواحد أو المتعلم الواحد إما أن يكون جزءاً من الحل أو أن يكون جزءاً من المشكلة، والتعليم يجعل من أبنائنا طاقة وطنية كبرى لحمل رسالة الإسلام التي حملها آباؤنا الأنصار إلى العالم كله، والمواطن الواحد إما أن يكون أداة بناء أو أن يكون أداة هدم، وأبناؤنا في المدارس وقاعات الدراسة يمثلون أكبر مورد لبناء يمن جديد، أو أن يصبح بعضهم أداة هدم في أيدي أصحاب الأفكار الضالة، أو اتباعاً للخارج الذي لا يريد مصلحة اليمن لا من قريب ولا من بعيد.
إن كل معلم عليه أن يحفظ مركزه, فهو كبير في أعين تلاميذه، وهو يمثل القدوة لهم، وعيونهم متعلقة بما يفعل، ربما أكثر من تعلقها بما يقول، وهو يحدث بذلك تغييراً اجتماعياً من خلال هذا المركز الذي وضع فيه، مركز المعلم الذي هو مركز القيادة والريادة.
2 ـ المعلم عنصر أساسي في صناعة مستقبل المتعلمين:
إن تمتع المعلم بصفات عالية ومواصفات علمية مهنية دقيقة, قضية وجود لكل أمة؛ لأنها تحدد طبيعة الأجيال القادمة ونوعيتها، والذين يتوقف عليهم مستقبل الأمة، فالمعلم جزء لا يتجزأ من مدرسة القرن الحادي والعشرين، ما يحتم ضرورة تدريبه وتطوير كفاءاته بما يؤهله للقيام بمهامه.
إن المعلم عنصر أساسي في صناعة مستقبل المتعلمين، فهو يصنع مستقبل المتعلمين من خلال رؤاه وأفكاره، فهو من يرشدهم ويوجههم، وهو من يزودهم بالعلم والمعرفة، وهو أيضاً من يقوم على تسهيل عملية التعلم التي تعد أحد أرقى عمليات الحياة الإنسانية، وهي تشبه عملية محو بياض النهار لظلام الليل، وتشبهها في كل تغييراتها وإنجازاتها كذلك، وعلاوة على ذلك فهو من يعمل على صقل مواهب المتعلمين، وتوجيهها نحو ما ينفعهم حين يأخذ بأيديهم باتجاه المستقبل.
إن الحوار يمثل رؤية تربوية من حيث اعتبارها قيمة حضارية هذا من جهة ومن جهة أخرى من خلال الممارسة المدرسية والحياتية التي تجعل أبناءنا في المدارس جزء من الفعل الوطني وتعلمهم كيف يديرون مشاكلهم من خلال التفكير في الحوار والعلاج ويطهرونهم من العنف وجماعاته ويعرفونهم بمخاطره، فالمستقبل أمام المتعلمين واليمن تنتظرهم للبناء.
إن المعلم في صناعته للمستقبل ينشر الأمل الذي هو النتاج الطبيعي للألم، فالإنسان يتألم ويقوده الألم إلى صناعة دواء جديد أملاً في الشفاء، ولولا الحاجة والعوز ما تجاوز الإنسان مشكلة حياتية، ولولا التطلع لحياة أفضل، ولعيش رغيد ما تعلم متعلم، ولما اخترع مخترع، فمستقبل التلاميذ يوجب على المعلم بث روح الأمل.
إن المعلم يقود جموع التلاميذ داخل المدرسة وخارجها، وله مكانته الاجتماعية التي تمكنه من لعب دور وطني مؤثر، والأنشطة المدرسية كثيرة, فالإذاعة المدرسية والمسرحيات المدرسية والندوات والمحاضرات وغيرها من الفعاليات تسهم بطريقة أو بأخرى في خدمة التعريف بأهمية الحوار وواجبات المجتمع المدرسي, بل والمجتمع ككل, نحو ذلك.
د. محمد عبدالله الحاوري
المعلمون والدور الحيوي في الحوار الوطني الشامل 2175