لا يتصور حل الأزمات، المولدة للثورة، بـ (الحوار)، ولا حتى بالتفاوض، مع النظام، الذي أوجدها, باعتبار أن القضايا، التي يفترض أن تكون موضوعاً للحوار، وعلى الأصح، للتفاوض، ليست مسائل مطلبية عادية، كالمطالب النقابية، برفع الأجور أو بحقوق معينة، بل هي تتعلق بقضايا تمس مباشرة هذا النظام نفسه، أي أنها قضايا لا يمكن التنازل عنها، من قبل طرف، أو أن هذا هو المفترض، ولا القبول بها، من قبل الطرف الآخر, لأن حل هذه القضايا إنما يأتي على حسابه، إذ يستعصى حلها بدون إزاحته، هو نفسه، كعائق أمام التغيير المنشود، بالحل.
وعلى الرغم من ذلك، يمكن للمرء أن يقبل بالحوار أو بالتفاوض، كخيار لحل الأزمات، جرياً مع أشد الناس تشاؤماً وتخوفاً وخشية، مما قد يسببه التغيير من مخاطر وخسائر وآثار، ومع أشدهم تفاؤلاً بإمكانية إقناع "النظام المُثار عليه" بتقليص سيطرته، تدريجياً، وصولاً إلى إقناعه، بالقبول، كلياً، ببناء الديمقراطية (الحقيقية). وبمعنى آخر، القبول بالتفاوض، أو الحوار، مجازاً، كخيار للتسوية بين مطلبي؛ الاستقرار من جهة، والتغيير من جهة أخرى، ولكن ذلك، يوجب على هؤلاء الناس، أن يدركوا أولاً، أن أي "اتفاقات أو تسويات" يمكن التوصل إليها، مع صانعي الأزمات، لن تتحدد بنودها، وفقاً لمبدأ "العدالة"، الذي يفترض وينبغي، أن يسود في الحوار/التفاوض، ولا وفقاً لمبدأ صحة آراء ومواقف، هذا الطرف أو ذاك، بل ستتحدد، حتماً، وفقاً لـ"قوة" و"قدرة" هذا الطرف أو ذاك، من أطراف الحوار/ التفاوض.
بمعنى أن التوصل إلى تسويات أو تفاهمات، عن طريق الحوار/التفاوض، لن يتم على أساسٍ من تقييم صحة أو خطأ القضايا والمواقف، ولا على أساس قلة أو كثرة مناقشتها، بل على أساسٍ من تقدير، حتمي، لـ"ميزان القوى" السائد بين الأطراف.
وثانياً إن عملية الحوار/التفاوض، ذاتها تمنح النظام "المُثار عليه"، شرعية، كالتي توفرها له عملية المشاركة في الانتخابات، كمثال. ويوجب عليهم، ثالثاً، الاجابة على الأسئلة، التالية، قبل الدخول في أي تفاوض، أو حوار:
ما هي القضايا أو المطالب، التي يمكن التنازل عنها، كشرط لإنجاح التسوية، بين مطلبي التغيير والاستقرار، وفق ما تقتضيه مبادئ التفاوض والحوار؟! وما هي قضايا ومطالب الحد الأدنى التي لا يمكن النزول عنها؟! وما الذي يضمن قبول الطرف الآخر بها؟! وما هو الحل، في حال عدم قبوله بقضايا ومطالب الحد الأدنى تلك؟! وكيف يمكن تجنب عدم خلط، أطراف التفاوض، بين القضايا موضوع التفاوض/الحوار، وعملية التفاوض أو الحوار ذاتها؟! وكيف ستكون أوضاع البلاد، بعد هذه التسوية أو التسويات؟ هل ستكون الحياة أفضل، مما ستكون عليه، لو تم اللجوء إلى خيار التغيير من خلال الثورة السلمية؟! وما الذي يضمن التزام الطرف الاخر، "المُثار عليه"، بالعمل وفق بنود التسوية أو التسويات التي يمكن التوصل إليها؟! وما العمل في حال عدم التزامه، أو التفافه، أو انقلابه عليها، مستقبلاً؟!.. وبدون إجابات محددة، وواضحة، لن يؤدي الدخول في الحوار أو التفاوض إلا إلى التضحية بالتغيير، دون ضمان الاستقرار.
هائل سلام
الحوار كتسوية بين مطلبي التغيير والاستقرار 1557