sraeed@gmail.com
ليست السياسة نفاقاً، ولا ظلماً، وليست السياسة كبراً ولا فقداناً للضمير أو خلفاً للعهد أو نقضا للمواثيق, بل السياسة جزء لا يتجزأ من الدين, فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يفصل بينها وبين الدين ، فمن المفارقات العجيبة التي يلمسها المواطن اليمني أن نفراً ممن يزعمون انهم من قادة الفكر السياسي يظهرون بين الحين والآخر على صفة محاضرين منظرين او في ندوات موسعة يفتخرون بأمجادهم الوظيفية السياسية وينسبون لأنفسهم الوطنية والمواطنة الصالحة وينشرون على مسامع المشاهدين والمستمعين انهم حرصوا في حقبة عملهم على المال العام ، والمصلحة العليا للامه والوطن، وكأنهم يخاطبون مواطناً ساذجاً لا يعرف تاريخ هؤلاء المنظرين يوم ان نهبوا وسلبوا المال العام ، وعاثوا فساداً، ومزقوا ثوب الأمة ولم يبالوا بكشف عورات ابناء الوطن حتى سقطوا في شرك الفقر والبطالة ، وبقيت الثعالب الماكرة في أبراجها العاجية تأكل الاخضر واليابس دون احساس بأنين الجوعى، واستغاثة اليتامى ومن لا حول لهم ولا قوة.
لقد منح الوطن والمواطن ثقته لثلة كبيرة من أنصاف السياسيين والاقتصاديين والمثقفين والتربويين, لعل وعسى أن يكون على أيديهم الخلاص الجزئي من معاناة الوطن وأزماتها المتراكمة طوال فترة زمنية ،وكم كانت الفاجعة وخيبة الآمال عندما اكتشفت ان بعضهم نصبوا أنفسهم مدافعين عن المصالح العامة ،حيث أخفوا الوجه الكالح وأظهروا الوجه الباسم الأصفر ،وأوغلوا في تقسيم ما بقي من تركة الوطن حسب مخططاتهم كل من خلال موقعه ،دون مراعاة للدين العام والمديونية التي تجاوزت كل الخطوط الحمراء، غير عابئين بأي معيار من معايير الشرف وكرامة الوطن، ومما يستغرب أن نفراً من هؤلاء بعد أن تركوا مواقعهم وقفوا موقف المعارضة المنافقة وبدأوا ينتقدون قرارات من جاء بعدهم وما هم بصادقين ،إنهم من الراقصين على الحبال .
لا أخفي سراً إن قلت أن المواطن اليمني الواعي قد فقد الثقة بجميع الأطياف السياسية والاقتصادية المنظرة الذين باعوا الوطن بثمن بخس مقابل بقاء ورعاية مصالحهم الشخصية ،وهذا لا ينفي ان يكون هناك ثلة من الشرفاء والأوفياء لوطنهم ولكن تأثيرهم كان محدوداً، ولم يتمكنوا من مقاومة التيار العاتي من اصحاب المصالح الضيقة، حيث اصبحت المراكز العليا القيادية في الدولة تشكل عبئاً باهضاً على المواطن, لأنه تيقن أنّ مهنة السلب والنهب وهضم الحقوق، اصبحت اللعبة لأصحاب المراكز العليا، فلا ثقة بالحكومة ولا ثقة بمجلس النواب، الذين حرصوا بجشع على تحقيق المنافع والمكاسب لأنفسهم جهاراً نهاراً دون النظر لحجم المشاكل السياسية والاقتصادية التي تحتاج لمعالجة جادة سريعة من خلال تضافر الجهود المخلصة المؤمنة بالعدالة الاجتماعية والإنصاف المنشود.
اقول كفى جعجعة من اصحاب الحلوق المنتفخة، وعليهم ان يعلموا ان اوراقهم قد سقطت, حيث تعرت اجسادهم من كل ساتر، وغدا ثوب الرياء يكشف عما تحته ، ولم تعد المتاجرة بالأقوال الجوفاء مقنعة بعد ، لقد كذب كبار السياسة والاقتصاد على الوطن، حيث استغلوا بساطة وطيبة المواطن اليمني ، ليمرروا مخططاتهم الفاشلة وسياستهم الضعيفة، فأوقعوا الوطن في متاهات كان حصادها مراً على مستقبل الأمة نتيجة احتكارهم للقانون، وتحكيم الفردية على الروح الجماعية، وبات في حكم المؤكد ان المواطن قد تحرر من القيود المكبلة للحرية، وأصبح الوعي السياسي والاقتصادي ملحوظاً لدى العامة والخاصة..
ولم تعد حيل من اغرق الوطن بالديون والمصائب تنطلي على أي مواطن، وحتى تبقى ذرة من كرامة لأولئك الذين تصدروا ساحة العمل السياسي والاقتصادي في مراحل متعددة من عمر هذا الوطن عليهم ان يعتزلوا، لان نخبة من الصف التالي تربوا في زخم الاحداث على فهم ومعرفة الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي وأصبحت عندهم القدرة الفائقة على المعالجة الحكيمة وفن ادارة الازمات دون ان يقال اننا بحاجة الى حكمة وتجربة شيوخ السياسة والاقتصاد وقد تأكد فشلهم ، وفقدهم للثقة بإجماع العامة والخاصة من ابناء الوطن..
فيكفي ما وصل اليه الوطن من تشت في الآراء والأفكار، يكفي فساد ونهب للمال العام ، يكفي استنزاف الخزينة العامة وإغراق الوطن بوحل الديون، يكفي تحدث عن الوطنية وانتم لستم أهلاً لها، يكفي الضحك على هذا المواطن بشعارات وهمية.
رائد محمد سيف
سياسيون في الميزان 1401