ونحن على مشارف الدخول في الحوار الوطني الشامل وما قد ينتج عنه من إعادة تقسيم الجمهورية اليمنية إلى أقاليم في إطار التوجه الكبير نحو الفيدرالية ينبغي التوقف كثيراً عند قضية الأقاليم وكيف تقسم.. وقبل النظر في موضوع التقسيم إلى أقاليم ينبغي معرفة التاريخ السياسي المعاصر لليمن الذي نشأت في ظله محافظات ما كان يعرف بالشمال ومحافظات ما كان يعرف بالجنوب..
ففي الشمال كانت هناك عقلية إمامية متخلفة تفكر بطريقة عقيمة تضمن لها إضعاف الموجود وتجزئة القائم وتشتيت الناس وربط مصالحهم كمواطنين ليس من منطق المصلحة الوطنية وإنما على أساس مبدأ جوعٌ كلبك يتبعك مع الأسف الشديد، ثم جاءت أنظمة جمهورية بعد ذلك لم تكن تحرص على المصلحة الجوهرية للناس ولا أهداف ثورة سبتمبر بقدر ما كانت تراعي الوضع القائم مع التفافة بسيطة للظاهرة المذهبية من زيديه وشافعية ولهذا كان الدمج الهيكلي للمحافظات يتم وفق هذه الرؤية التي اتسمت بالحرص على المظهر والتغاضي عن الجوهر فظلت مدينة مثل القاعدة ملحقة بمحافظة إب وهي أقرب ما تكون لمحافظة تعز، وظلت ريمة – مثلاً سيئاً للعقلية التي يفكر بها الساسةً الشماليون- ملحقة بمحافظة صنعاء وهي اقرب للحديدة, حتى بعد التقسيم الإداري الجديد الحق الرئيس السابق القبيطة- وهي تتبع تعز من آلاف السنين- بلحج.
في الجنوب لعب الاستعمار البريطاني وعلى مدى أكثر من قرن من الزمن على تعميق الجهوية المتقزمة في نفوس أبناء الجنوب أنفسهم فهناك الحضرمي الذي يفتخر بانتمائه لمنطقته ربما أكثر من انتمائه لهويته وهناك الضالعي واللحجي الذي يرى في نفسه صاحب البأس الشديد الذي لا يقبل أن يحكمه مواطن من أبناء عدن وهناك أصحاب عدن الذين ينادون بعدن للعدنيين لأنهم أهل ثقافة وتقدم وغيرهم لا..
وهكذا تشكلت هذه المفاهيم عبر عقود من الزمن حتى جاءت الوحدة في الثاني والعشرين من مايو 1990م ومع سوء إدارة الدولة الجديدة وتخلف القيادة السياسية في فهم استحقاقات الوضع الجديد ومتطلبات بناء الدولة الجديدة بالإضافة إلى الأنانية المفرطة لعلي صالح وعلي سالم اللذان شخصا أمور الوطن ولأن كل واحد منهما كان حريصاً على نفسه ومصالحه، بدأت موجة جديدة من ثقافة الكراهية تجتاح اليمن شماله وجنوبه, وقد نتج عن هذه الثقافة العقيمة وغياب دور الدولة في معالجة مشاكل الناس وتحقيق آمالهم وتطلعاتهم نحو الوحدة كُره للوحدة وتوجه عام في الجنوب نحو الانفصال.
باختصار شديد يقوم الوضع اليوم على أساس إعادة النظر في التقسيم الإداري الحالي للجمهورية, كما أن هناك دعوات غير محدودة للانفصال تغذيها ممارسات خاطئة وتؤججها عقول جاهلة وقلوب حاقدة.. وبالتالي فإن نظام الأقاليم المزمع طرحه على مائدة الحوار الوطني ينبغي أن يتفهم الوضع السائد والمطالب المختلفة لليمنيين وأن تكون هناك أقاليم تحفظ الوحدة أولاً وتعيد النظر في مبدأ تقاسم الثروة الحالي وفق أسس ومعايير عادلة ومنصفة وهو ما سوف يحفظ الوحدة ويحد من المغالاة والشطحات التي تجد أرضاً خصبة لزراعة الفتن واستيراد مشاريع الاقتتال بين اليمنيين.
وهكذا لا بد من إيجاد تصور شامل يدرك عمق الاختلالات في البنية الاجتماعية التي ورثناها من الأئمة والاستعمار والحكام الفاشلين ويستجيب للمطالب الشعبية الحقيقية وليست مطالب الغوغائيين أمثال علي سالم البيض الذي يريد أن يظل الجنوب حقل تجارب لأفكاره السوداوية, فلو كان فيه خيراً لنفع الجنوب في السبعينات أو الثمانينات أو التسعينات، لكن فاقد الشيء لا يعطيه.. وإذا لم يلب نظام الأقاليم الجديد المطالب الشعبية, فسوف يعبث الطامعون بمستقبل اليمنيين لعقود قادمة.
نقول صادقين وبأعلى صوت: لدى اليمنيين اليوم فرصة قد لا تكرر في إصلاح شؤونهم وما لم يساعد اليمنيون أنفسهم في هذه اللحظات التاريخية الاستثنائية فلن يساعدهم أحد.
عبد القوي القيسي
أقاليم تحفظ الوحدة 1508