الدولة المدنية هي دولة الحرية والمساواة والعدالة, التعايش.. الدولة المدنية هي التي تكفل الحقوق والحريات وتحترم التعددية وتلتزم بالتداول السلمى للسلطة وتعمل على سيادة القانون وتحقيق المواطنة المتساوية الدولة المدنية ليست دولة دينية وليست دولة علمانية لأنها تقوم على أساس الحياد الإيجابي تجاه القناعات والمعتقدات, بمعنى أن لا يمارس الاقصاء والتهميش والتمييز تجاه مواطن بسبب, معتقداته أو أصوله كما أنها لا تمنح ميزات لمواطن بفضل معتقداته وإصوله فهي مؤسسة جامعة لكل المواطنين تمثل مجموعة إراداتهم الدولة المدنية الحاكم فيها مجرد موظف عند الشعب يحاسب ويراقب ويعزل إذا أخطاء أو قصر لأن الشعب هو مالك السلطة ومصدرها الوحيد.
الدولة المدنية تحترم مبدأ تكافؤ الفرص وتجعل الكفاءة هي أساس التعتيين في الوظائف الحكومية ولا توزع وظائف الدولة بموجب مواقف الناس السياسية, يتمتع المواطن في الدولة المدنية بكافة الحقوق والحريات السياسية والمدنية مثل حرية الرأي والتعبير وحرية الفكر والدين وتشكيل الأحزاب والتنظيمات السياسية والنقابات وحرية التظاهر والتجمع واستخدام كافة الوسائل التي تمكنه من ايصال صوته للآخرين, أي دولة انطبقت عليها هذا الشروط والمعاير صارت دولة مدنية وإن لم تطلق على نفسها هذا المسمى لأن الدولة المدنية قيم ومُثل وسلوكيات تطبق على ارض الواقع ليس مجرد كلام يقول في الخطب ويردد في وسائل الاعلام..
لقد كانت أو دولة مدنية في التاريخ هي دولة المدينة التي أسسها محمد صلى عليه وسلم بعد ان هاجر من مكة لأنها اتسمت بكل معايير شروط الدولة المدنية فقد كانت دولة العدالة والمساواة والتعايش, عاش فيها المسلم واليهودي والمشرك عيشاً مشتركاً ينعمون بمواطنة متساوية في ظل قيادة عادلة, تحكم بالقسط ويحقق مبدا تكافؤ الفرص وتنظم شئون الدولة وفق دستور مكتوب متوافق عليه الصلاة وسلم سمي " وثيقة المدينة "..
لقد نصت الوثيقة - في أحد بنودها - أن اليهود أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يوتغ، إلا نفسه وأهل بيته.. هذا فيه تجسيد للمواطنة والمساواة كما أنها نصت ( يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة, وأن بين جميع المتعاقدين النصح والنصيحة والبر دون الإثم). وهذا يجسد مبدأ الشراكة والتعايش والقبول بالآخر..
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقد جسدت سيرة الرسول صلى عليه وسلم وتعامله مع مختلف شرائح المجمع ومكونات الدولة وتعامله مع المواطن اليهودي كما يتعامل مع المواطن المسلم الشواهد على ذلك كثيرة لا يتسع المجال لذكرها في هذا المقام..يكفى من هذا كله ما تشير إليه كتب السيرة النبوية إن الرسول صلى عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عن يهودي.
تيسير السامعى
الدولة المدنية ودولة المدينة 1618