لا أحد منا لم ينتظر شيئاً ما، قد ينال هذا الشيء وقد لا يناله، فالانتظار وإن كان من المعاني الإسمية التي لها تحقق ووجود في عالم الذهن لكنّه في عالم الواقع الخارجي وفي حدود التحقق خارج إطار الذهن لا يمكن أن يرى الوجود بدون وجود المعاني المتعلّقة به، فكم من الوقت نمضيه في الانتظار خلال حياتنا القصيرة على هذه الأرض؟، هل الانتظار عنوان تائه في روح البشر؟، هل هو علامة غامضة تتردد في حياتنا، ولابد من أن ننتظر؟ هل يوجد شخص لم يدخل الانتظار؟ وما الانتظار، ولماذا، وكيف هي أشكاله، وماذا يفعل بنا؟..
أسئلة كثيرة قد تدور حول الانتظار، لكن أظن أن ما من أحد ينجو من الانتظار أبداً، حتى الحجر ربما ينتظر قطرة مطر أو عشبة صغيرة تورق في قلبه، وبهذا المعنى يتهيأ لي أننا مجبورون على هذا الذي يسمى انتظاراً، ولا يمر يوم في حياتنا إلا يكون الانتظار شاهداً على تفاصيلها..
ونحن كشعوب وكأفراد أدمنا الانتظار، نعيش في حالة انتظار دائم، أو ننتقل من انتظار إلى انتظار، ننتظر قدوم المولود، وننتظر أن يكبر، فإن كبر انتظرنا عطفه وبرّه وزيارته، أو أن يأخذنا بيده ليوصلنا إلى دار المسنين، ثمّ ينسانا..
تستنفر كلّ الأسرة، لتوفير الأجواء المناسبة للدراسة، فتمتنع عن كثير من الأشياء، وتقنن الأصوات والحركات حتى يتمكن الابن من النجاح والحصول على معدل عالٍ يُؤهله لدخول الجامعة، فان تخرج انضم إلى صفوف المنتظرين لفرصة عمل، إلى أن يتمكّن بقدرة (قادر) من اجتياز الصفوف والحواجز ويحصل على فرصة..
تكبر الفتاة، فتنتظر وأهلها (نصيبها) والفارس الذي يأتي على الحصان الأبيض، فإن تأخر فليس عندهم مانع أن يأتي على حصانٍ من أي لون أو حتى بدون حصان ماشياً أو زاحفاً، فان جاء نسينا انتظارنا ووضعنا كلّ عقدنا عليه وعلى أهله وأرهقناه بمطالب وشروط يعجز أمثاله عن تلبيتها، وليعيشا بعد ذلك بديْن ينتظرن سداده..
ينتظر ربّ الأسرة آخر الشهر إن كان موظّفاً أو الحصول على دخلٍ لتلبية مطالب الأسرة المتعدّدة، ويحتار كيف يتمكّن من توزيع دخلْ محدود ومتآكل على احتياجات ونفقات متنوعة ومتزايدة، فالدخل ثابت أو متناقص بينما الحاجات والأسعار تتزايد وتفوق قدرة الطبقة المتوسطة.
ينتظر المُعارض الوصول إلى الحكم، فان وصل غاص ولاص في تفاصيل الحياة، ونسي ما كان يدعو إليه، أو اكتشف أنّ هناك فرقٌ بين الخيال والواقع، وأنّ التنظير شيء والتطبيق العملي شيءٌ آخر.
ننتظر إصلاحا توقّف، انتظارا لتغيّرات إقليمية، أو يحدث بالتنقيط الممل، والحراك لا يمتلك الرؤية الواضحة وغير قادر على تطوير وسائله وأدواته..
ننتظر أن يتوب الفاسد فيتوقّف عن فساده بمحض إرادته، فلعلّه يتغير بين عشية وضحاها من حالٍ إلى حال ويصبح من أولياء الله الصالحين، فيعيد (من باب الورع) ما امتدت إليه يده بالحرام يوم أن كانت يده طويلة ولا توفّر كل ما تصل إليه، وإن لم تصل أطالها لتصل..
ننتظر أن نرى فاسداً أو عابثاً بالمال العام تم تقديمة إلى المحاكمة ومحاسبة الفاسدين..
ينتظر المؤمن نتيجة جهده وعمله، فينال الجزاء الأوفى، وهل من جزاءٍ أفضل من جنةٍ عرضها السموات والأرض، فالدنيا دار عمل والآخرة محلّ الجائزة..
ننتظر وننتظر وسنبقى كذلك، ومصيبةٌ أن تنتظر بعيداً لا يصل أو قريباً لا يمر أو رغبةً لا تتحقق، ولنعلم بأنّ الأشد من الموت انتظاره، يبدو أننا نصاب بالإنهاك من الانتظار، فهو منتصر في كثير من الحالات، وربما يعود ذلك إلى شغف الإنسان بالتعجل، فما من منتظر يريد أن يطول انتظاره كثيراً، على الرغم من كلمات الصبر التي نلف بها حالنا، من أجل احتمال انتظار، ربما يكون لا يحتمل لدى كثيرين، لكن هناك من تدرب على الانتظار.
رائد محمد سيف
الإنتظار.. 1533