إن الحوار الوطني الشامل فرصة تاريخية كبيرة لبناء اليمن الجديد، يمن النضال السلمي والعمل الوطني والجهد اليمني لأجل اليمن ومستقبل اليمنيين، يحتضنهم أمل واحد، ويحدوهم نداء واحد، إنه حب اليمن، وحب الخير لليمن، فتتوحد الجهود لصناعة حاضر اليمن ومستقبله بنداء الحياة لا بصرخات الموت التي لم تقتل إلا اليمنيين ولم تسفك إلا الدم اليمني ولم تسطر الموت إلا على قرى اليمن ومديرياته.
اليمن الجديد بحاجة إلى جهود أبنائه جميعاً، فلكل منهم دوره الذي يمكنه القيام به لأجل اليمن، وكل فرد يمتلك قدرة أو موهبة أو مهارة، قلت أو كبرت، هو محسوب على إمكانيات هذا الوطن الحبيب، وهو مدعو إلى المشاركة في بناء، وهذه الدعوة هي نداء ذاتي داخل الذات اليمنية التي ترى في حب اليمن وحب أهل اليمن ميدانا خصبا لتحقيق العبودية لله من خلال تحقيق النفع لعباد الله وأحب الناس إلى الله أنفعهم لعباده.
إن الحوار الوطني الشامل ضمان حقيقي للاستقرار ولجلب الاستثمار، فالمقدرات اليمنية كبيرة والإمكانات التي يتمتع بها اليمن ضخمة ومتعددة، ولكن الاضطرابات التي استمرت في العهد البائد قد أفزعت المستثمرين وجعلت اليمن بيئة طاردة للاستثمار، فالحوار الوطني الشامل يجعل من اليمن منطقة جذب كبرى وبخاصة واليمن تحتوي على ثروات عملاقة في المعادن وتعدد المناخات واتساع الساحل البحري، وكلها فرص عظيمة يأتي الحوار لتحويلها من الحلم إلى الحقيقة، ومن الخيال إلى الواقع.
إن الجهود المشكورة التي تصب في تدعيم الاستقرار يجب أن تتوسع وأن تترسخ في ممارسات المواطن اليمني، ليتحقق الاستقرار الأمني الذي يعد مطلباً ملحاً في الحياة باعتبار الأمن هو الوعاء الحاضن لكل مقدرات الوطن وإمكانياته، وكذلك الاستقرار الإداري الذي يمثله الالتزام الحقيقي والفاعلي بالدوام الرسمي، فلا يكتفى بالحضور ولكن لا بد أن يكون حضوراً فاعلاً ومفيدا، والاستقرار القضائي الذي يحكم بالعدل ويقضي وفق شريعة الله، والاستقرار التعليمي الذي ينتظم فيه كل مكونات العملية التعليمية والتربوية في بوتقة الجد والاجتهاد عملا بالأحاديث النبوية الكثيرة التي تجعل طلب العلم فريضة، والتي تؤكد أن من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، والاستقرار الإعلامي الذي يراقب الله تعالى فيما يقوله أو يكتبه، فإن الكلمة مسؤولية جسيمة أمام الله تعالى، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} سورة الأحزاب.
إن الحوار اليوم يقطع الطريق على مشاريع الوهم بالعودة إلى الوراء، إلى زمن الإمامة وتقسيم الناس إلى سادة وعبيد، ويقطع الطريق على مشاريع تمزيق اليمن فتقع اليمن في هاوية الاحتراب والاقتتال الداخلي، ويقطع الطريق على مشاريع تصفية الحسابات الإقليمية على الأرض اليمنية وبالدم اليمني هذا يرسل السلاح وهذا يرسل النقود.. يأتي الحوار الوطني لنستمع لصوت العقل، ولنتبع نداء الحكمة، ولنتمثل بالسلوك الكريم الذي يتقي الله في هذا الشعب الذي ذاق الويلات بسبب المطامع السياسية الضيقة، تلك المطامع التي تقول: إن الله لم يسخر حاشد وبكيل لسليمان عليه السلام وسخرها لنا.. أو تلك المطامع التي تجعل اليمن ريشة في مهب التنازع الدولي والإقليمي، فاليمن بلد مسلم ودم المسلم حرام وعرضه حرام وماله حرام، وهو ما أكده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبلغ تأكيد بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) متفق عليه.
إن الحوار الوطني الشامل يواجه المشكلات لحلها لا للمزايدة بها، وهو إذ يفعل ذلك يعترف أولاً بأن اليمن تستحق الحب، وأن الوضع اليمني يمكن أن يتعافى إذا اتجه الناس لعلاج مشكلاتهم وليس للتربح على حسابها أو المتاجرة بها، فاليمن قادر بحمد لله على مواجهة مشكلاته، وعلى حلها كذلك، حلها الحل العادل، كلنا مع المظلوم حيث وجد، وكلنا ضد الظالم من أي مكان كان وابن من كان، ولكننا لا نرضى أن تعالج الأخطاء بالخطايا، فأخطاء النظام السابق ليس علاجها بخطيئة الانفصال، وأخطاء مشكلة صعدة لا تكون بترك المحافظة فريسة لجماعة عنف تستبد بها، بل تكون برد المظالم وإنصاف الناس وتحقيق العدل وبسط نفوذ الدولة على كل شبر في هذا الوطن، ومن له حق يأخذه بشريعة الله التي أعلنت أن كرامة الإنسان بالتقوى، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13) سورة الحجرات.. وأن الناس كلهم لآدم وآدم من تراب، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إن الله عز وجل قد أذهب عنكم عبية (أي الكبر) الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي، وفاجر شقي، أنتم بنو آدم وآدم من تراب" رواه أبو داود، وهو ما يؤكده القرآن الكريم قال الله تعالى: {إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} (34) سورة الأنفال:
إن الحوار الوطني الشامل جسر العبور بالمؤسسة العسكرية والأمنية من التهميش والتوزيع كهدايا للأولاد والأقارب إلى مؤسسة وطنية مهنية لها كينونتها الوطنية، ولها نظامها الوطني الذي يحمي الشرعية الدستورية، ويحترم حقوق الإنسان، ويقدس الدم اليمني وبحيث يكون لمنتسبي هذه المؤسسة المزايا التي تليق بتضحياتهم الجسيمة لأجل اليمن ممن يعملون فعلاً لا ممن يسرحون ويمرحون في القرى يؤذون الناس أو في شوارع المدن بلا عمل سوى أذية الخلق، وتجدهم يزاحمون في نهاية الشهر على استلام الراتب..
فالجيش اليمني جيش الوطن وكل من يخدم فيه فهو ينتمي إلى الشرف العسكري وإلى الرجولة التي تضحي لأجل اليمن، فالجندي هو آخر من يأكل وآخر من يشرب وآخر من ينام، لكنه أول من يموت، وهو بهذا عنوان الفداء والتضحية إذا أخلص لله عز وجل، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " عينان لا تمسها النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله" رواه الترمذي وصححه الألباني.
د. محمد عبدالله الحاوري
الحوار الوطني الشامل فرصة تاريخية تستحقها اليمن 2424