أيام قلائل للوصول إلى مائدة مستديرة لحوار وطني جاد ومثمر يحقق غايات مثلى وينتصر لإرادة الإنسان ويقدم المشترك بين كل اليمانين ويضع حلولاً لتعايش خلاق لامجال فيه لإقصاء الآخر ولا قهره ولا مصادرة حقوقه.
هذا على الأقل ما يتطلع إليه الوطن وهو يدلف إلى مرحلة أجد فيها الإنسان يجد ذاته وحقوقه مصانة، وما لم يكن المعبر عن هذا قوياً ويحمل إرادة التغيير بقلب متفتح ورؤية خلاقة، فإن أي إخفاق في هذا الحوار ستكون تبعاته على الخارطة الوطنية شديدة،ويقدم الأمنية للقوى المتربصة والحاقدة في الإجهاز على الثورة وفعل التغيير والعودة باليمن إلى ماضٍ مؤلم وقاسٍ وإلى تطاحن وانقسام وفوضى، تحاول القوى الآثمة أن تحققه بما لديها من دعم خارجي وداخلي جاهز لإحداث تحولات مؤلمة ومرهقة في الجسد اليمني.
ولعل المتابع لهذه القوى وما تطلقه من شائعات ومحاولتها في خلق روح الإحباط واليأس وإثارة الفوضى والفتن، هي التي تكشف عن حجم المؤامرة وأبعادها ومخاطرها وليس من حل لمواجهة مخططات الأعداء والقوى التي فقدت مصالحها من النظام السابق غير الحوار الوطني الذي ينبغي أن يتحلى رواده بالصبر والحكمة وتغليب المصلحة العامة والرؤية إلى البعيد والبحث عن نقاط اتفاق حقيقية ولم الشمل وتأجيل المختلف بروح الود إلى حين تتاح الفرصة للتغلب عليه ،ووضع معالجات صحيحة تقدم اليمن على ما عداها من مصالح أخرى مهما كانت.
وهنا فقط تضيق الفرصة بل وتنعدم على قوى التربص ويشتغل الوطن بما هو خلاق ويحقق آمالاً وطموحات في بناء الدولة اليمنية الحديثة، على أن الوعي بالواقع وأبعاده وممكنات التحول هي وحدها التي تنسجم مع المشترك الوطني وتدفع به الى الأمام وتنضج الروح الوطنية الملهمة والقادرة على فتح مناخات تفاهم وحب وعمل مشترك مبني على المواطنة المتساوية والشراكة الوطنية في البناء والعمل.
وهنا لابد من التأكيد: أن الحوار الوطني المزمع انعقاده في القريب العاجل، يقتضي الدخول إليه بذهنية المواطن الباحث عن الأفضل وعن أنجع الحلول لوطنه، والباحث عن نقاط الاتفاق أكثر من غيرها بمسؤولية أخلاقية وضمير ديني ووطني وإدراك أن ما يجمع اليمنيين أكثر مما يفرقهم وأنهم كانوا قبل الوحدة أخوة يتعايشون حتى في ظل أعتى أنظمة الشمولية وما قدر أحداً أن يلغي أحدا وكانوا متحابين متعاونين يؤلف بينهم الأمل ويوحد اتجاهاتهم اليمن، وهم اليوم أحق بالتواصل من زمن التشطير وأحوج ما يكونون إلى الالتقاء.
مهما كانت النتوءات والتعقيدات، فإن الوطن أكبر من أن يقع في فخ التشرذم والانقسام أو يمرر مخطط الأعداء القادم من (طهران) أو غيرها فكل ذلك أمام الملح الوطني، يتلاشى وينهار ليصير الحوار مبنياً على روح الأخوة ودونما تمايز واستعلاء ورهانات خاسرة خارج المعقول فالوطن اليوم لم يعد قادراً على المزيد من الآلام والفوضى وبحاجة ماسة إلى المخلصين المتفانين في إيجاد معالجات مهمة لكل القضايا الوطنية وفي المقدمة القضية الجنوبية وقضية صعدة وطبيعة العمل المستقبلي وآفاق الشراكة في هذا الجانب وكيفية ما سيكون عليه الحكم في اليمن، هل حكم محلي واسع الصلاحية؟ أم أقاليم وفيدرالية ؟...الخ الذي يجب الوقوف عليه وتحديده بحوار متكافيء يقف الجميع فيه على مسافة متساوية لا يطغى أي من الحضور على الآخر، هذا ما نرجوه ونتوسمه وننادي به، ليكون الوطن في مستوى الطموحات المرجوة.
على هذا الأساس نفهم الحوار الوطني أنه تدشين مرحلة أجد لمواطنة حقيقية ومستقبل نرجوه جميعاً، وندرك أيضا أن الحوار المتكافيء وحده يخلق قناعات ويؤسس لغايات ويحقق طموحات.
.وإذا مطلوب من المتحاورين جميعا الدخول إليه دونما مواقف مسبقة لأي كان ودونما غلو وتطرف ونزعة إقصاء، ومطلوب من الجميع أن يدركوا حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وأن أي إخفاق في هذا الحوار سيجعل الوطن على كف عفريت ويجعل من القوى الحاقدة أن تتحشد لتكون البديل، وبالتالي نجد اليمن نهب أطماع وأحقاد وتتوزع خارطته إلى طائفية ومناطقية وحروب وتعصبات وأمور لا يعلمها إلا الله.. وهو ما يجعلنا نخشى فشل انعقاد الأمل ونخاف من الوقوع على جدار صلب لا يفتح نافذة تطلع وحب وحياة ويعيد الأمور إلى سابق العهد ونخسر الحقيقة والحلم معا وهما اليمن أرض المحبة والتسامح والحكمة اليمانية والتعاون على البر والتقوى..
وجدير بنا هنا أن نعي بأنه مع اقتراب موعد الحوار تنطلق الكثير من الأحقاد. والشائعات، تستهدف قوى وطنية وشخصيات مدنية وعسكرية كان لها دوراً مهماً في صنع النصر وإنجاح الثورة وهي الآن في محل استهداف باعتبارها من يقف أمام مخططات الأعداء ومن يفشل رهانات المتآمرين.. لذلك تبقى معرضة للأقاويل من أطراف مجندة لهذا الشأن اعتقاداً من هذه القوى الآثمة أن السبيل إلى إفشال الحوار - كمنتج - ثورة يتمثل في ضرب القوى الوطنية أولاً وأخيراً وهو أمر نحسب أن الكثير يدرك المرامي والأبعاد لكل ذلك ويؤكد على أهمية تظافر كل جهود المخلصين في جعل الحوار الوطني مؤداه أو نتائجه في صالح وطن ومستقبل وتاريخ زاهي.
محمد اللوزي
الحوار وطني 1378