من الأمور التي يتغافل عنها الكثير منا (تذكر الموت، والحياة الآخرة).. فالعشرات يرحلون عنا وبشكلٍ يومي.. ولأسباب عدة ونحن في غفلة تامة.. وكأن الأمر لا يعنينا شيئاً.. وكأننا حصلنا على ضمانات بالبقاء والخلود في لدنيا إلى ما لا نهاية..
والمُلاحظ اليوم أن صور الموت قد تنوعت، وأسبابه قد تعددت.. فهناك من يموت لسبب وهناك من يموت من دون أي سبب.. وهكذا(من لم يمت بالسيف مات بغيره.. تعددت الأسباب والموت واحدُ)..
والقاعدة الإلهية تؤكد على أن( كل نفس ذائقة الموت) وأنه لا يوجد إنسان مخلد على الإطلاق، وأن البقاء لله سبحانه وتعالى ومادون ذلك فمصيره الرحيل من الدنيا والعودة إلى الله ( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)..
والموت أحبتي من الأمور المُسلم بها، فليس بموسوع الإنسان أن يمنعه أو ينجو منه ولو أمتلك ملئ الأرض ذهباً وفضة.
وللشاعر كلام جميل واعظ ومؤثر عن الموت وما بعده حيث يقول:
الموتُ بابٌ وكل الناسِ داخِلُه فليتَ شِعرِيَ بعد البابِ ما الدارُ
الدارُ جنَّةُ عَدْنٍ إن عَملْتَ بما يُرضِي الإلهَ وإنْ فَرَّطتَ فالنارُ
هما مصيران ما للمرءِ غيرهما فانظر لنفسك ماذا أنتَ تخـتارُ
والحاصل اليوم أن هناك صنفاً من الناس غرتهم الحياة الدنيا وغرهم بالله الغرور، فـُخيل لهم أنهم مخلدون وعلى الدنيا باقون.. وإلى الله غير عائدون، ففرطوا بالقتل والنهب والسلب.. وأسهبوا في الظلم والبطش والاعتداء على الناس والتطاول على الله تعالى والمجاهرة بمعصيته والاستخفاف بتعاليمه والاستهزاء بدينه، والإعراض عن ذكره.. والبعض منهم مفتونون بنعمة الصحة التي أسبغها الله عليهم.. وبالمال الذي منحهم الله إياه فتفننوا بارتكاب الذنوب، وقصروا بالواجبات.. فلا صلاة في وقتها، ولا صوم في حينه، ولا صدقة جارية، ولا حُسن خلق ولا هم يحزنون.
وبعض الشباب(هداهم الله)غرهم عمر الشباب وزهوته، وفتوته، ووصل بهم الأمر منزلة.. وصرنا بدل أن نراهم في المساجد وأماكن العلم وميادين العمل أصبحنا نراهم في الشوارع والطرقات، وإمام مدارس الطالبات والجامعات.. والأدهى من ذلك أن شعار أغلبهم ( لما نكبر سنعمل كذا وكذا)، وهنا تكون الصدمة، فمن سيضمن لهؤلاء البقاء على قيد الحياة حتى يكبروا ويعملوا الخيرات؟!.
أن الحياة عمرها قصير، والموت أقرب من الحياة، كما أن الموت لا يعرف صغيراً ولا كبيرا، ولا غنيا ولا فقيرا،فالجميع سواسية أمام الموت..!
إن مما يدمي فؤاد من يغير على دين الله ويحب للآخرين الخير والصلاح والفوز والنجاة والفلاح والنجاح أن نرى الكثير منا يعيشون في غفلة مقيتة.. وإعراض واضح، ونكران صريح لله، وانشغال كبير بملهيات الحياة ومغرياتها الفانية، وأي غفلةٍ أكبر من ترك الصلاة.. عمود الإسلام وذروة سنامه؟! وأي ضلالة أكبر من أن يصدح المؤذن بالأذان ونجد الأسواق تكتظ بالباعة والمشتريين ولا يلبي النداء إلا القليل؟.. مع أننا مسلمون وفي دولة إسلامية ولكن للأسف الشديد أصبحنا مسلمين بالبطاقة فقط..
إننا اليوم بأحوج ما نكون إليه أن نـُراجع أنفسنا ونصحو من غفلتنا ونعود إلى ربنا, فهو ارحم بنا من إلام بوليدها.. وان نتذكر أن بعد الحياة الدنيا حياة أخرى.. وانه مهما طال عمرنا فإننا سائرون لا محالة.. فليكن شعارنا (كل ابن أنثى وأن طالت سلالته يوماً على آلة حدباء محمولُ).
موسى العيزقي
غفلة مُقيتة 1675