لَعلِّي لا أكون مُبالغاً إن قلتُ أنَّ جميع الطائرات الحربية اليمنية لم تعُد صالحة للخدمة على الإطلاق..وإنَّ مكانها الطبيعي في المُتحف العسكـري.. لقد أصبحتْ خارج نطاق الخدمة بفعل الزَّمن حتَّى الحديثة منها في التوصيف التقني للأسف لم تدخُل الخدمة بمواصفات وطنية، بل بمواصفات تجارية بخسة، مما زاد الطين بلِّه وبـات الطيران الحربي برمِّته بحاجةٍ ماسة إلى إعادة النظر في وجوده بالكُلية..
إنَّ حادث سقوط "السوخوي" ما هو إلا تجسيدٌ حـي لحالة أكثر منه حادث سقوط طآئرة يعكسُ وضعاً مأساوياً للطيران كوسائط مادية وبشرية ناتج عن تخلُّف أفكار النظام السابق في تعامله مع هذه التقنية الحساسة خاصةً وأنَّها كانت تتطلَّب لجاهزيتها وفقاً للمعايير التكنولوجية إنفاقاً مالياً استثنائياً, لم يكُن ذاك النظام على استعداد لتحمُّله لعدم إيمانه أصلاً بضرورة وجود طيران وطني مُتطور، فالجيش كـ تصوُّر وفكرة كان مُختزلاً في حماية النظام لنفسه والطيران كان خارج هذا الاختزال، لكن مُتطلبات العصر فرَضت عليه بقاء وحدة الطيران ولو في أدنى مستوياته، فتمَّ شراء مجموعة طائرات روسية من بنات أفكار الحرب العالمية الثانية وبعض الطائرات من المنظومة الغربية أيضاً من تلك التي لم تعد صالحةً للاستخدام وفقاً للمعايير الغربية.. وتمَّ في نفس الوقت تدريب مجموعةً من الطيارين على استخدامها، لكن يجب القول وللحقيقة التاريخية أن هؤلاء الطيارين من أبدع وأروع الطيارين في الشرق الأوسط بكلِّه، فلقد استطاعوا أن يتعاملواْ مع نفايات الشرق والغرب من الطائرات باقتدار ومهنية وأن يؤدوا واجبهم الوطني بتلكَ النفايات دون تذمُّر، مع أنهم يعلمون أن مُجرد صعودهم فوق هذه الطائرات ما هو في حقيقة الأمر إلا عمل انتحاري وأن عودتهم إلى المطار - إن قُدِّر لهُم ذلك- مرهونٌ بمهارتهم الشخصية لا بسلامة وجاهزية طائراتهم التي عفَى عليها الزمن وشرب.. ومع ذلك وبرغم التضحيات الجسيمة التي بذلها ويبذلها الطيارون كُلَّ يوم إلا أن وضعهم المعيشي يدعو للأسَى والحُزن تماماً كـ وضع طائراتهم الذي يدعو حالها الوجودي للبكاء والرثاء..
إنَّ سقوط " السوخوي " يدعو وزارة الدفاع لإعادة بناء القوات الجوية على أسُس علمية ووطنية وإعادة النظر في وضع الكوادر البشرية وتحسين وضعهم المعيشي بما يليق بحجم الواجبات الملقاة على عاتقهم..الله أسأله أن يتقبَّل كابتن الطائرة وضحايا الحادث في الشُهداء...وحسبُنا الله ونعم الوكيل.
د/ عبدالله الحاضري
انتحاريون بدرجة طيار! 1803