إن وضع التعليم في ظل ما تفرضه العولمة من تحديات ومفاهيم جديدة ليجيب عن العديد من التساؤلات : هل يمكن اعتبار التعليم سلعة تخضع لقيم السوق وفقاً لمقاييس العرض والطلب وأين القيم التربوية التي من المفترض أن يرسخها التعليم في الأجيال الجديدة وكيف ترتبط هذه القيم بالسياق التقني ليوضح أن محاولات تطوير التعليم وإصلاحه لا تزال تواجه الكثير من العقبات . ويشكل الكتاب إضافة ثرية بتضمنه خلاصة الخبرة الطويلة للتربوي ويشمل الكتاب أربعة أقسام : مفاهيم وقضايا مهمة, حيث يلقي الضوء على الخلل في المعايير والأوليات والمفاهيم التي تضطرب بها السياسات التعليمية بين الديمقراطية والسلطوية وبين الداخل والخارج والوطني والإنساني والعولمي السوقي وبين تأسيس المعرفة العلمية فكراً ومنهجاً وإبداعاً والاقتصار على استخدام تقنياته ومنجزاته الجاهزة ليؤكد في النهاية أننا بحاجة إلى مؤسسة تعليمية لا تنمي المعرفة الأكاديمية الجافة دون استثارة الوجدان والعاطفة ومختلف المشاعر نحو ما يتعلمه الطلاب ونحو حقوق الإنسان, حيث كثرت الكتابات في أدبيات التربية الجديدة حول أهمية ما يعرف بتنمية الذكاء العاطفي أي استثارة مشاعر الحب أو البغض نحو ما يتعلمه الطالب من قيم الموضوعات والأحداث والقوانين, كما يضيف أننا بحاجة إلى مدرسة أو جامعة تنمي الحوار بين المعلم والمتعلم وكذا تنمية نزعات الفضول وحب الاستطلاع وتحفيز الخيال والتساؤل وأعمال العقل والتفكير وعشق القراءة وفهم النص وتقييمه وتأويله ولا بد من الربط بين المفاهيم والنظريات والمبادئ من ناحية وبين الواقع المعاش وتضاريسه وتضاعيفه وتأكد سلطة المعلم وليس تسلطه وقهره وحرية المتعلم وحقه في سماع خبرته دون فوضى أو تسبب ولا بد من توفير علاقات ومعاملات عادلة ومتسقة بين كل الأطراف التعليمية من القمة إلى القاعدة, كما يتعرض إلى قيم تربوية وثقافية هابطة في مفارقة مع القيم التربوية النزيهة الرفيعة . مشيراً إلى أن نماذج مثيرة للسخرية والإهانة لرسالة المعلم الذي كاد أن يكون رسولاً على حد تعبير أمير الشعراء, إذ تتجلى صور الاتجار بالتعليم ويتطرق الكتاب إلى قيم تربوية وثقافية رفيعة هي مناط الأمل في جوهر عملية الإصلاح تتضح من خلال الرصد والاستكشاف لما يدور في الواقع المعاش من قيم وضيعة مثل الأستاذية المتسلطة والمتلصصة وأزمة النشر في المجلات العلمية وقيم البيروقراطية المرفوضة, ثم يتطرق إلى قيم رفيعة في مسيرة المؤسسات تتضح في سلوك أفرادها وشفافية إجراءاتها ويستشهد في هذا الإطار بنماذج إنسانية مشرقة حملت هذه القيم وأسست لها ورسختها قدر استطاعتها ومن هنا يأتي الكتاب كميزان دقيق نستخلص منه الثمين والقيم وما هو مطلوب من القيم التربوية من أجل إصلاح تعليمي عميق الجذور يرسخ لأجيال جديدة على بناء المستقبل وفق سياسات رشيدة.
رئيس منتدى الوحدة الثقافي بإب