يقوم بعض أفراد الأمن المركزي والنجدة هذه الأيام بالتفتيش المستفز لسيارات المواطنين، خصوصاً تلك التي تحمل بداخلها النساء والأطفال بحثاً عن السلاح المتواري خلف المقاعد وبين الثياب - حد قولهم - بينما تمر السيارات المكشوفة و"المطربلة" وهي مدججة بالأسلحة دون أن يلتفتوا إليها أو يعيروها أدنى اهتمام، وحين يقوم أحد الفضوليين أمثالي باستفسار رجال الأمن عن السر الدفين الذي يجعلهم يتجاهلون تلك السيارات التي تجوب شوارع المدن وعلى متنها عدد من المسلحين وبطريقة تجلب الخوف الذي يؤدي إلى التقيوء الحتمي، يبادرون بالإجابة الدارجة على ألسنتهم: "هؤلاء يتبعون الشيخ الفلاني، الذي ينتمي إلى قبيلة" كذا بينما تبقى في حيرة من أمرك، مقلباً كفيك نحو الذهول، ورأسك باتجاه اللا مكان، وترمي ببصرك الشارد نحو الفوضى التي لا تطاق، ليستقر بك الحال على تلك البنادق التي تشير إليك بفوهاتها كمن يخرج لسانه في وجهك.
بأم عيني رأيت في إحدى النقاط الأمنية رجال الأمن المركزي "البواسل" وهم يعيثون بحقائب النساء والأطفال.. بحثاً عن قطعة سلاح قد يكون صاحب السيارة أخفاها بداخل حقيبة زوجته كيما يتمكن من حمايتها وسيارته إذا ما قام قطاع الطرق والمخربون بمهاجمتهم في ظل هذه الظروف التي انتشرت فيها ظاهرة التقطع بشكل مخيف جداً حتى أصبحت تُنفذ داخل المدن الرئيسية وفي الأحياء السكنية القريبة منها في غياب غير مبرر لرجال الأمن الذين يستأسدون أثناء تفتيش النساء والأطفال في مداخل المدن بينما يتركون بقية الشوارع والحارات مرتعاً خصباً للفوضى.
كان هذا المنظر الذي لم أعتده من قبل بمثابة الكارثة التي حلت بي، خصوصاً وأنهم لم يجدوا سوى حقائب خالية إلا من الحزن الذي ورّثته السياسات الأمنية الفاشلة..
حينها سألتني وقد تلبدت أعماقي بالأسى: كيف لهم أن يقتحموا حقائب النساء بتلك الطريقة الموغلة قبحاً بينما يغضون الطرف عن تلك الأسلحة الخفيفة والمتوسطة التي تتعداهم بصمت؟..
أنا على يقين أن سكوتهم هذا لا لشيء إلا لأن قياداتهم الخانعة تحتمي أو تنتمي إلى تلك الجذور القبلية المشائخية التي لا ترغب بسيادة النظام والقانون وإلا فأي قانون هذا الذي يتيح لهم أن يصرحوا لقطاع الطرق والمرتزقة والمخربين بحمل السلاح، فتصبح مركباتهم ذات حصانة لا يجوز الاقتراب منها ولا النظر إليها، بينما تُستباح حقائب النساء وخاصياتهن بتلك الطريقة التي أقل ما توصف بالوقحة؟!..
لكنني في الأخير أتساءل: هل معالي وزير الداخلية بعظمة قدره وجلالة مقامه على علم بما يحصل؟ أم أنها تصرفات فردية يقوم بها بعض رجال الأمن نظير بحشامة مدوية جعلتهم ينظرون إلى جيوبهم الفارغة أكثر من نظرتهم إلى المهام الأمنية الموكلة إليهم والتي تستوجب إضافة إلى الحس الأمني مراعاة القيم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية؟!.
أتمنى أن تكون هنالك إجابات تزيح الغيمة التي غطت سماء المكان أو ترسلها مُزناً وإن كنت على يقين ألاّ إجابة في رحم الغيمة الثكلى مادام اليأس قد دب في الأفق.!!
منيف الهلالي
الأمن يستبيح حقائب النساء 2038