وما جزاء الذين يديرون الظهر لنتائج الانتخابات الديمقراطية، ويشقون عصا الطاعة ضد الشرعية، ما جزاؤهم إلا السجن أو النفي من الأرض، هذه أبسط قواعد الحكم القائم على العدل، لأن الذي ارتضى أن يحتكم للصندوق، عليه أن يقبل نتائجه حتى ولو جاءت على خلاف ما يشتهي، وما عدا ذلك فهو متمرد، ومنشق، وفاجر، وتاجر في أعراض المصريين ومستقبلهم.
الديمقراطية تسمح لجمهور المعارضة بأن يعبر عن رأيه، وأن يعترض على مواقف الحكومة السياسية، والديمقراطية تسمح للمعارض بأن يحتج على قرار الحكومة برفع الأسعار، ويثور ضد الفقر، ويغضب لعدم وجود فرصة عمل، ولكن الديمقراطية لا تسمح للمعارض بأن يحرق الطرقات مطالباً بإسقاط الحكومة، ولا تجيز للأقلية فرض رأيها على الأغلبية التي قالت نعم للدستور، ولا يجوز للأقلية أن تطالب برحيل الرئيس الذي انتخبته الأغلبية قبل عدة شهور، ولا يجوز للأقلية أن تتحايل وتلغي انتخابات مجلس الشعب، والالتفاف على رأي الجماهير الهادر في أكثر من استفتاء، والديمقراطية لا تجيز للأقلية التصعيد دولياً ضد الرئيس.
قد لا تناسب المصريين في هذه المرحلة وصية عبد الملك بن مروان لابنه الوليد، حين قال له وهو على فراش الموت: "اخرج أنت للناس وألبس لهم جلد نمر، واقعد أنت على المنبر وادع الناس إلى بيعتك، فمن مال عنك بوجهه كذا، فقل له بالسيف كذا".
ولكن تمثال القائد لاظوغلي ما زال منتصباً في شوارع القاهرة، ولا يبعد كثيراً عن ميدان التحرير، وكأنه يقول: إن فكرتي السديدة التي اقتنع فيها الوالي محمد علي كانت السبب المباشر لنهوض مصر، لقد قلت له: اسحق المعارضة، وإنقاذ مصر من فتنة المماليك، وخلصها من مراكز القوى والنفوذ، فكانت مذبحة القلعة، وكان خلاص مصر من الجوع والخنوع.
وقد يكون للمصريين في تاريخ عدونا الإسرائيلي القزم ما يفيد، فعندما تمرد مناحم بيجن زعيم البالماخ على الشرعية التي كان يمثلها ديفيد بن غورين عشية الإعلان عن دولة الصهاينة، وسعى إلى إدخال سفينة أسلحة مع مقاتليها إلى أرض فلسطين، في ذلك الوقت الذي كان فيه اليهود أحوج ما يكون إلى قطعة سلاح، وإلى مدد الرجال في حربهم ضد العرب، إلا أن ديفيد بن غورين الذي كان يمثل الأغلبية قد أمر بإغراق سفينة الأسلحة "ألتالينا" بمن عليها من المتطوعين اليهود، طالما هي خارج إطار الشرعية، وطالما كان تحركها وفق رغبة الأقلية المعارضة.
بعد ثلاثين سنة انتصرت الديمقراطية لدى الصهاينة، وسلم أحفاد ديفيد بن غورين السلطة كاملة لزعيم المعارضة مناحيم بيجن، ولكن بعد أن فاز بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية، لينجح بعد ذلك مناحيم بيغن في إخضاع العرب وهم يوقعون على اتفاقية كامبد ديفيد.
سأقترب أكثر يا مصر، وأشير إلى تجربة الصين الشعبية، لقد سحقت الدبابات الصينية سنة 1989 اعتصام المعارضة في ساحة تيامين بلا تردد، وكانت النتيجة انطلاق الحياة الاقتصادية والأمنية والسياسية والثقافية، حتى بلغت الصين ما بلغته من عظمة ورقي.
فما أشجع الشعب المصري، وما أصدق انتمائه لوطنه، وما أخلصه في العطاء والوفاء ولاسيما حين يرفض الخضوع لبطش الأقلية التي تستمد قوتها من عدو مصر والعرب.
د. فايز أبو شمالة
مصر بين لاظوغلي وابن غورين 1675