الناظر إلى حال أمتنا هذه الأيام وما آلت إليه من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها, أمة المليار سيرثى لحالها , والذي قد يموت المتأمل عليها حسرةً وكمداً, كلما ازداد عددها زادَ تمزقها وتفتتها وتشرذمها وذلك وأيم الله عكس ما جاء به ديننا وحث عليه , وخلافاً لما نص عليه قرآننا وسنة نبينا المليئة بالنصوص الداعية إلى التوحد والتعاضد والدالة على كيفية التوحد وعدم التشرذم والحفاظ على كيان الأمة والبقاء تحت لواءها , وهذه الأمة موجودة بمنطق الدين إذا تحدثنا بمنطق الدين وبمنطق التاريخ وبمنطق الجغرافيا وبمنطق المصلحة وبمنطق العصر وبمنطق أعداء الإسلام أنفسهم. بمنطق الدين هناك أمة، الله تعالى يقول (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس)، (كنتم خير أمة أخرجت للناس).. (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)، (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون) ثم الدين جعل هذه الأمة أمة ربها واحد وكتابها واحد ورسولها واحد وعقيدتها واحدة وشريعتها واحدة وقبلتها واحدة، يعني كل عوامل الوحدة موجودة بمنطق الدين وأمَرها الدين بأن يلتف بعضها ببعض ويتكاتف بعضها مع بعض وأن يتعاونوا على البر والتقوى (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)، (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)، "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض" . حتى لو نظرنا إليها بمنطق التاريخ, سنجد أن هذه الأمة ظلت أكثر من ثلاثة عشر قرناً، وهي أمة واحدة.. إذاً كل هذه المقومات والمبادئ والقواعد والطرق الربانية الجوهرية بين أيدينا ونعرفها جيداً وغيرها الكثير الذي لا يتسع المجال لذكرها , إلا أننا نعيش اليوم في تفتت وتقسم عجيب !!.. بل الأعجب من ذلك أننا إذا ما اقتتلنا فإن سبب قتالنا لبعضنا هو من أجل الحصول على حق التشرذم الذي نرى أننا افتقدناه ولا بد من استعادته كحق مطلوب , وإذا ما سعينا للتحاور فيما بيننا والجلوس على الطاولة فإن هدف ذلك الحوار الاتفاق والتوافق ولكن ليس من أجل لم الشمل وإعادة اللحمة الممزقة ورأب الصدع , بل من أجل الوصول إلى آلية تكفل تشرذماً سلمياً جديداً يسعى لتمزيق الممزق وتشتيت المشتت !!..
رغم كل المقومات والروابط المتجانسة المتفقة في وشائجها وجذورها التي تجمع أمة الإسلام ووحدتها لفترة ثلاثة عشر قرناً من الزمن والتي لا تكاد توجد في أمة أخرى على هذه الدنا , إلا أنه استطاعت قوات خارجية محتلة وبسهولة القضاء على معالمها, بل واستطاعت طمسها في بعض البقاع وذلك ليس دليلاً على قوة المحتلين بقدر ما هو ضعف تمسكنا بأواصر القوة المتمثلة في ديننا الإسلامي وبسبب كثرة ذنوبنا وبعدنا عن الإسلام , وبعد كل ثورات التحرر التي طردت المحتلين وأخرجتهم إلا أن الإرث الذي تركوه لنا كان واقع الأمة الممزق الذي رسمه المحتل وسار عليه قادة الأمة , لينفرد كلٌ منهم بجزء من الرقعة الممزقة ويُنصِّبُ نفسَه حاكماً عليها مستقلاً عن البقية أرضاً وشعباً وعاداتٍ وتقاليداً ونظماً, وأصبح كل جزء يشكل دولةً مستقلة بذاتها قائمة بحالها لا ترتبط بالأمة ولا تدين لها بالولاء لأنه لم تعد توجد دولة إسلامية ولا قيادة لها . ولكن اليوم أصبح التمزق أبعد من أن يكون بين دولة وأخرى بل أصبح في أبناء الدولة الواحدة بل والمنطقة الواحدة والعامل الرئيس الذي يذكي الصراع بينهم هو ذاك الذي وحدنا لثلاثة عشر قرناً, بل والقاعدة التي ينطلق منها الخصوم , حتى أصبح حالها كما قاله الشاعر الدكتور حاكم المطيري :
مليار كــــلا إنها أصفـــــــــــــــــــــــارُ .. حسناتها إن أحســــــــــنت أوزارُ
وشعوبها دون الشــــعوبِ مكانــــــةً .. و كبارُها عند الكـــــــــــبارِ صغارُ
يا أمةً هانــــــــــت على أبنائهــــــــــا .. فدموعها و دماؤها أنـــــــــــــهارُ
والمسجد الأقصى الذي ما زال في .. أيدي اليهود تدوســــــــه الأحبارُ
وأذانه الله أكبر لم يـــــــــــــــــــــــزل .. يدعو الرجال فأينـــــــــه المليارُ
سمعوا صداه فما تحرك ســـــــــاكنُ .. وكأنما أكـــــــبادهم أحجــــــــارُ
و كأنما المليار موتى لا لـــــــــــــــهم .. سمعُ ولا حسُ ولا إبــــــــــصارُ
هذا السلام العالمي خديــــــــــــــعةُ.. تستعبد في ظله الأحـــــــــــرارُ .
هل يعقل أن مصدر الوحدة والألفة أصبح مصدراً لانقساماتنا وخلافاتنا وسفك دماء بعضنا البعض ؟ وهل يعقل أنه صلاحيته وصلت إلى طريق مسدود ومحدد بفترة زمنية بحيث لم يستطع عن إيجاد حلولاً كفيلة بحل تلك الانقسامات والخلافات ولم الشمل من جديد.. بالتأكيد وكما تعرفون أن الجواب هو لا وألف لا!!.. إذاً السبب يكمن فينا نحن وهو ابتعادنا عن ديننا الحبيب وتركنا لأصوله وتمسكنا بسفاسف الأمور التي وضعها البشر باسم الدين لتصبح مصدراً للخلاف والفرقة, فالسني عدوه الشيعي والشيعي عدوه السني والذي يرسل في صلاته عدوه الذي يضم وهذه الطائفة عدوتها تلك الطائفة التي اختلفت معها بسبب فتوى حول نواقص الوضوء وهلمَّ جرا, فكان أن جنينا الذل والجبن والهوان وأصبح لصيقاً بنا دون سائر الأمم..
يا أمة المليار أما آن لكِ أن تعودي إلى رشدك وتفيقي من سباتك المقيت ؟ أما آن لك أن تنفضي عنك غبار الذل والصغار وتعودي للتمسك بمصدر عزتك وقوتك حتى تصبحين رقماً بين الأمم بدلاً من كونك صفراً ؟ ويا أمة الإيمان والحكمة أما يكفيكم قتالاً وتفتتاً باسم الدين وباسم محمد وباسم صحابته وآله وباسم الحزبية والطائفية والفئوية والقبلية والعنصرية والتمترس خلفها ؟ أليس فيكم عقول رشيدة تسعى لإخراجنا مما نحن فيه وتُعْلِمُنَا بأن ربنا واحد وديننا واحد ونبينا واحد وتاريخنا واحد وجدنا واحد, بل ودمنا واحد ,حتى ننقذ أنفسنا وأهلنا وشعبنا من الانهيار الكلي لمنظومة المجتمع والإنسان - لا سمح الله - وإخراجنا من نفق المصالح السياسية اللعينة التي سَيستْ كل سيء حتى ديننا وقيمنا , وغلَّبت المنفعة الدنيوية والشخصية على منفعة الإسلام والمسلمين؟.
صالح الحكمي
أُمَتِيْ كَفَاكِ تَشَرْذُماً 1870