في زمن الحاسوب,وعالم الأرقام, وشفرة الأمان, والبريد الالكتروني, والسحب بالكرت, والتعرف بالبصمة,.. في زمن التعامل داخل الوطن الواحد بالهوية (البطاقة) النوم, السفر, الشريحة, الاستلام, الإرسال.. في هذا الزمن الذي تستطيع فيه الحصول على الجنسية الخارجية(الأمريكية,البريطانية... في فترةٍ لا تتجاوز نصف عقد من الزمن.. ومن الصعب أن تحصل على ذلك في بعض الأقطار العربية وإن ولدت,وعشت, وتوفيت فيه..
في هذا الزمن وفي وطننا الحبيب مازال أكثرنا خارج نطاق السجل المدني, وجميعنا خارج نطاق الخدمات, إلا أننا جميعاً ـ وحتى الموتى ـ لسنا خارج نطاق السجل الانتخابي.. والأحوال المدنية.....في هذا الزمن مازالت في وضعية اللا دولة التي تعيشها منذ عقود ثلاثة, غارقة بالفساد, ومثقلة بالمفسدين, تعج بالفوضى, وتفوح بما يؤذي الجميع, تراها في عشوائية مزرية, كسوقٍ شعبي لا يستقيم له حال.. أنا هنا لا أريد التشويه, وليس ما أقوله كذباً أو افتراء, لكنها الحقيقة, والصورة تحكي عن نفسها, وتحدث عما فيها, وهذا لا يخفى على أحد..
ترى مبناها في حالة يرثى لها مشوهاً عليلاً, يشكو مما عليه, ويئن مما في داخله,.. نوافذ بلا شبابيك,أبواب شبه محطمة, جدران متسخة, مكاتب معفنة, أجهزة شبه معطلة, مولد الكهرباء, كاميرا التصوير,الكمبيوتر,آلة التصوير,ومن العجب أن آلات التصوير الورقية في كل المكاتب الحكومية لا تعمل, فلم أر أو أعلم أن مواطناً استفاد منها في تصوير ورقة,فهي دائما خارج نطاق الخدمة, مثلها مثل دورة المياه..
وهذه الحالة التي يرثى لها تدل على كل ما تحوي,ومن تحوي تلك الإدارة وتدل على كل ما يدور,وكل ما يجري فيها وما الذي,ومن الذي أوصلها إلى هذه الحالة وتعرف المنهج المتبع, والأسلوب المستخدم,والطرق المعمول بها وهذا عند ما تريد الحصول على شهادة ميلاد, أو بطاقة,أو جواز..
ولكل مواطن فيها حكايته الخاصة, منذ الدخول من البوابة حتى الخروج منها ورغم كثرة تلك الحكايات,واختلاف أساليبها, إلا أن جميعها يحكي تلك المعانات التي يعاني منها الجميع في تلك الإدارة: الروتين الممل, التعامل المقرف, التعسف المقصود,التعنت المتعمد,..
فانك وبالدخول بعد التفتيش إلى ساحة مبنى الإدارة,تجد عدة بسطات إلى جانب تلك البسطة الكبيرة التي يجب عليك أن تقف أمامها وتبرز بطاقة انتخابية,أو شهادة مدرسية, أو ورقة بختم عاقل الحارة أو القرية.. تثبت أنك يمني,وتريد بطاقة.. لتحصل على كرت الدخول إلى الإدارة.. وبالدخول إلى الإدارة من ذالك الباب المزدحم, والذي ترى خلفه تلك البسطة التي لا بد أن تعود إليها,وذلك اللا طابور الذي لابد أن تقف فيه..وهذا بعد الصعود إلي الدور الثاني والوقوف في طابوره الغير منتظم للحصول على الاستمارة، فبعد أن تدفع ألفاً ومائتين ريال أو كثر، تأخذ تلك الاستمارة التي تجد أن قيمتها الأصلية والمكتوبة عليها هي مائة وثمانين ريالاً.....فما أن تخرج من الطابور إلا وترى الكثير من أولئك العاملين الذين لا عمل لهم سوى خدمتك يتسابقون على تعبئة الاستمارة مجاناً، فأقل من ألف ريال لا يقبلها منك إلا بعد يا جاهاه ويا منعاه.. وهذا في اليوم الأول بشرط توفر الاستمارات,وحصولك على استمارة قبل انتهاء الدوام.. وإلا ما جعل الله يوماً بعد يوم إلا لقضاء الحاجة.. وعليك بعد ذالك أن تعود إلى تلك البسطة الكبيرة,ولا بد أن تحضر شاهدين, يجب أن يكون أحدهما من أسرتك,والآخر من قريتك أو حارتك,هذا بعد أن تحصل على ختم عاقل القرية أو الحارة, الذي لا أدري أين ستجده,وكم ستدفع له( أنت وحظك)...وكذلك ختم قسم الشرطة الذي يعلم الله كيف,وبكم ستحصل عليه.. "ويا مخارج خارج".. وأنت أمام تلك البسطة عليك أن تزاحم لتسلم الملف, وتمكن الشاهدين من التوقيع والبصمة عليه,قبل أن ينتهي الدوام, من أجل لا ترجع تدور) وتشغل خلق الله بعدك دخله خرجه) وهنا تأتي الخدمة المجانية التي لا تقل عن خمسمائة ريال ولا تزيد عن ألف.. ولا بد أن تستمر في الزحف,وتواصل المتابعة,.. بعد ذلك إلى تلك البسطة القابعة في زاوية باب الإدارة, لا بد عليك من التوجه للختم والتوقيع عند ذلك العامل الذي يخدمك مجاناً بما لا يزيد ولا ينقص عن غيره من أولئك, وليكمل ما تبقى من البيانات,ويسجل تاريخ الميلاد,ـ وهذا هو السر في جعل 1/1 هو الرقم المتميز والذي يشترك فيه أغلب اليمنيين في تاريخ الميلاد المسجل على بطائقهم..
وبعد ذلك عليك أن تقف في ذلك اللا طابور للدخول إلى تلك الغرفة التي تحتوي على ثلاثة أجهزة كمبيوتر لتسليم الملف, وإدخال البيانات, والتصوير, والبصمة, وهذا لا أدري متى سيكون, لكثرة الازدحام, وانطفاء الكهرباء العامة, وعطال المولد الخاص بالإدارة, وغيره من المشاكل الفنية.. وبعد ذلك على أن تنتظر لمدة ثلاثة أيام، ثم تأتي لاستلام البطاقة,لكن لا تصدق إنما بعد ثلاثة أسابيع؛ لأن الأسبوع عندهم يعتبر يوماً هذا إن صدقوا..
معاذ غالب الجحافي
هوية(البطاقة)...والأحوال المدنية 1547