الحوار الوطني الذي سيفضي في النهاية إلى انتخابات واستفتاء على الدستور الجديد العام القابل 2014م، وقانون العدالة الانتقالية، وسبل إقراره وتنفيذه باعتباره من المسائل المهمة لتحقيق الانتقال السياسي الديمقراطي.. المسألة الثالثة وتتعلق بإصلاح قطاع الأمن العام وتوحيد صنوف القوة عامة سواء الأمنية أو العسكرية وبما يجعلها كتلة واحدة خاضعة لإمرة الحكومة والدولة. .
أما المسألة الرابعة فتتمثل بدعم المجتمع الدولي - ممثلا بهيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن – للجهد الإنساني الاغاثية لليمن ومن خلال حث الدول المانحة؛ لأن تفي بالتزاماتها المالية والإنسانية كي يتجاوز شعب اليمن أزمته الراهنة، إذ من المقرر عقد اجتماع دولي في مارس القادم في لندن وذلك للوقوف أمام التقدم المحرز في هذا الخصوص وكذا تبيان الإخفاق. .
هذه المسائل الأربع ذكرها ممثل المملكة المتحدة رئيس مجلس الأمن للدورة الحالية السيد/ مارك برانت في مؤتمره الصحفي المقتضب، والذي حذر من خلاله أية أقلية تسعى لعرقلة وإعاقة عملية الانتقال السياسي المزمنة بسنتين، منوهاً بأن قرار مجلس الأمن رقم 2051يخوله اتخاذ قرارات حيال معرقلي التسوية السياسية في اليمن ..
الناظر في مجمل اللقاءات، والكلمات، والنقاشات، وحتى التصريحات القصيرة ؛ سيصاب بالحيرة والدهشة والارتباك، ففي الوقت الذي يؤكد فيه مجلس الأمن دعمه ومساندته لجهود الإدارة السياسية الانتقالية – رئاسة وحكومة - كانت هذه الإدارة في مجمل الحدث تائهة مرتبكة غائبة؛ إلا من هواجس وارتياب مما يجري جنوباً..
بدت الصورة هكذا: مجلس الأمن أولوياته إنجاح العملية السياسية كمنظومة كاملة ومتصلة بالحوار الوطني، ومساره الزمني ومخرجاته المقررة لشكل الدولة ونظامها ودستورها، مروراً بقانون العدالة الانتقالية ومضامينه المؤسسة لمرحلة تاريخية مستقرة ومتقاطعة كلياً مع صراعات وتناحرات الماضي، ومن ثم هيكلة الجيش والأمن باعتبارها عمود الدولة المدنية الحديثة..
وأخيراً الالتزامات المالية والإنسانية حيال الوضعية القائمة التي يستلزمها الدعم الإقليمي والدولي.. لكننا وحين نتأمل في طبيعة الخطاب السياسي والإعلامي ؛ فإننا نجده منساقاً خلف مخاوفه مما يجري جنوباً من ممانعة ورفض للحوار الوطني، واقع الحال يمكن إيجازه بقول ساخر ومعروف: "الطبل في الحوطة والشرح في سفيان"..
دعكم من الخطاب الممل والعقيم القائل: المجتمع الدولي ومن خلال مجلس الأمن وقراريه وأخيراً اجتماعه في صنعاء يبعث برسالتين مهمتين للخارج والداخل, مفادهما دعم اليمن موحداً ومستقراً، مثل هذا الخطاب لم ولن يعالج مشكلة التوحد؛ بل على العكس قد يزيد من مضاعفة المشكلة الجنوبية التي هي في الأساس مشكلة سياسية وحلها أو تعقيدها بيد الرئاسة والحكومة أولاً وقبل لجنة الحوار أو لجنة الأراضي أو المسرحين قسراً..
كيف ولماذا الرئاسة والحكومة؟.. فلأننا نعلم أنهما أدرى من غيرهما بمشكلة الجنوب، فكلاهما رئيس الدولة ورئيس الحكومة من الجنوب وعلى علم بمعاناة الجنوب التي هي في الأغلب نتاج توحد سياسي ارتجالي عاطفي متسرع لم يراع طبيعة الفوارق المجتمعية الاقتصادية المدنية الثقافية قبل أن تكون فقط نتاج حرب عسكرية كارثية كان فيها الرجل الأول وزيراً للدفاع ولا أعتقد أنه اليوم بحاجة لاستشارة جمال بن عمر أو ينتظر قراراً من مجلس الأمن كي يتخذ حزمة من القرارات السياسية الشجاعة حيال هؤلاء الرافضين للحوار. .
أشفقت على مندوب القناة الفضائية اليمنية وهو يسأل مندوب المملكة المتحدة رئيس مجلس الأمن حالياً قائلاً: ما موقف بلدكم بريطانيا من وحدة اليمن واستقراره؟.. كأني به ينتظر إجابة الوزير على نحو مغاير لما سمعه من دبلوماسي محترف، ويؤكد موقف دولته ومجلسه الداعمين لوحدة اليمن واستقراره وسلامة أراضيه وبلا أدنى شك أو جدل السائل المسكين يشبه حكومته ورئاسته وأحزابه وإعلامه، فكل هؤلاء لا يرون في اجتماع مجلس الأمن غير أنه عصا غليظة لإخافة القوى الجنوبية المطالبة بفك الارتباط واستعادة الدولة..
ممثل الأمم المتحدة جمال بن عمر أكثر تفهماً وإدراكاً لمقتضيات المرحلة القادمة، على الأقل كان خطابه واضحاً وعمومياً وفيه من الأفكار المتطلعة لبناء دولة يمنية ديمقراطية حديثة، بعث برسالة للجهات المعرقلة ودونما تخصيص أو استفزاز لجماعة أو جهة بعينها، نعم لقد وصف القوى المعيقة لعملية الانتقال بالقوة الواهمة السجينة في ماضيها والتي أياً كان تعنتها ورفضها؛ لكنها لن تستطيع وقف عجلة التغيير التي انطلقت ولن تعود إلى الوراء .
ختاماً؛ لا مجلس الأمن يملك وصفة سحرية إزاء علة مزمنة ومنهكة يعاني منها مجتمع الجنوب، أو أن ننتظر من دول الإقليم والعالم حلاً ناجعاً, فيما نحن المعنيون اعلم وأدرى بماهية المشكلة والعلاج، لدينا أربع مشكلات أساسية، المشكلة الأولى - وهي الأكبر موضوعاً - وتتمثل بالجنوب وشراكته الغائبة والمفقودة.. فبرغم ارتفاع سقفها لحد المطالبة بالتجزئة ثانية؛ إلا أنه ونظير هذا السخط والقنوط جنوباً مازال الفعل السياسي عقيماً ومتعنتاً أو قولوا معرقلاً لكثير من الأفكار والرؤى الكفيلة بتهدئة المناخات وطمأنة الساخطين اليائسين واستعادة الثقة لهؤلاء الذين هم في الأغلب مهمشون ومقصيون ومقعدون ومحبطون وووالخ..
المشكلة الثانية وتكمن بالرئيس السابق وفلوله ورموزه الذين يقفون اليوم بوجه عملية الانتقال ولا أظنهم سيستسلمون بسهولة ولديهم من القوة والمال والسطوة ما تجعلهم قوة معرقلة لا ينفع معها تظاهرات موجهة ومؤقتة أو جمع الستين التي باتت مادة مستهلكة مملة، كما أن التلويح بالعقاب الدولي أو التهديد بسحب الحصانة أظنه كلاماً فضفاضاً يستلزمه أولاً إرادة سياسية ورغبة وطنية لاستئصال هذا الورم الخبيث..
المشكلة الثالثة وتتعلق بالحوثية وإن كنت متيقناً بأنها ليست بخطورة المشكلتين، نعم الإدارة الانتقالية ربما يجب عليها إنفاق مليارات الريالات وكذا بسط سلطتها ونفوذها شمالاً؛ لكننا وعندما نتحدث عنها كقوة معرقلة فاعتقد أن ذلك مرجعه حالة النظام الضعيف المتشكل لتوه لا قوة الحوثية كفكرة سياسية ومشروع يمكنه تقويض النظام الجمهوري. .
المشكلة الرابعة وهي باعتقادي لا أحد يكترث بها كقوة معرقلة؛ بل ووائدة وناسفة لكل العملية الانتقالية، فالرئاسة والحكومة حين تصيران أداة معيقة للحوار الوطني ولثورة التغيير ولمعالجة مشكلة الجنوب ولمحاسبة القتلة والفاسدين ولرفض قانون العدالة ولانتخابات حرة ونزيهة ولتطهير مؤسسات الدولة من العابثين واللصوص ولهيكلة وبناء الجيش والأمن بناءً وطنياً ومهنياً ونزيهاً ووالخ من الممارسات الخاطئة، فكل المشكلات السالفة في كفة ومشكلة الإدارة الانتقالية في كفة.. فأرجو أن أكون خاطئاً وان لا تصل الحالة لهذا الحد الكارثي .
محمد علي محسن
الطبل في صنعاء والشرح في عدن !! 2221