;
د. محمد عبدالله الحاوري
د. محمد عبدالله الحاوري

المولد النبوي ذكرى الاحتفال لا دعوات الاقتتال 1712

2013-01-28 15:38:15


يأتي شهر ربيع كعادته رائعاً وجميلاً، يأتي بعبق ذكرى المولد النبوي، وهي الذكرى العظيمة التي غيرت مجرى الوجود إلى الأبد، يأتي برونق الحدث الكبير الذي ملأ جنبات الوجود كل الوجود بالأنس الذي أعاد للحياة أنسها بميلاد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو أنس الوجود كل الوجود.
إن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الأنس الذي كان الوجود كله يحتاجه وينتظره، وكان مقدمه هو مفتاح الحياة السعيدة في العالم كله، وكلمة السر التي تفتح آفاق الأنس الذي اشتاق إليه العالم اشتياق الخائف إلى الأمن، وتطلع رئة الغريق إلى الهواء، وتلهف الجسد المنهك على العافية، فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو ذلك الأنس الذي غمر الحياة بتياره الفياض.
إنه أنس الوجود الذي أنست به الحياة بعد الوحشة، الوحشة التي كانت في الحياة بين الإنسان ونفسه فأنسه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلما عرفه بربه فاطمأنت القلوب إلى ذكر الله وسكنت النفوس إلى كلمة التوحيد وكانوا أهلها وأحق الناس بها، أنس البشرية الشاردة عن الله الضائقة بالحياة والمتخبطة في الظلمات، فأنست إلى الطاعة بعد طول وحشة في الكفر والمعصية، وتقلبت في نعيم المعرفة بالله بعد أن ذاقت ويلات الشرود عن الله، ومن هنا ندرك عظيم تمسك الصحابة بالدين رضي الله عنهم لأنهم كانوا في ظلام دامس فجاءهم نور تام، فكانوا أعرف الناس بالتوحيد، وأعلم الناس بالإسلام، وأدرى الناس بالجاهلية، حين أنست قلوبهم بالله عز وجل، فالتأمت القلوب على محبة باريها وحب خالقها قال الله تعالى: {والذين آمنوا أشد حباً لله{.
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه إغاثة اللهفان:إن في القلب فاقة لا يسدها شيء سوى الله تعالى أبداً، وفيه شعث لا يلمه غير الإقبال عليه، وفيه مرض لا يشفيه غير الإخلاص له، وعبادته وحده،فالقلب دائماً يضرب على صاحبه حتى يسكن ويطمئن إلى الله عز وجل الهه ومعبوده؛ فحينئذ يباشر روح الحياة ويذوق طعمها، ويصير له حياة أخرى غير حياة الغافلين المعرضين عن هذا الأمر، الذي له خلق الخلق، ولأجله خلقت الجنة والنار، وله أرسلت الرسل، ونزلت الكتب.
إنه أنس الوجود الذي أنست به الحياة في الأسرة الواحدة فعرف الناس التراحم بعد التقاطع، وأعلى من شأن منزلة الوالدين، ورفع مكانتهما، وأوضح، وجاء بصلة الأرحام، وجعل صلتها بالمنزلة العظيمة ففي الحديث المتفق عليه: "إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه، قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة. قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، يا رب. قال: فهو لك"، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقرؤوا إن شئتم: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم".
إن أنس الحياة الأسرية لا يكون إلا بصلة الأرحام، حيث تتلاحم الصلات بالبر والتراحم التواصل، وهكذا تكون صلة الأرحام هي السياج الذي يوسع دائرة الأسرة حيث تمتد وتتسع دائرتها وتحميها أيضا، فتكون دائرة جامعة، تقوم على التقوى وتستمد قوتها من طاعة الله، ويستمر تلاحمها، ففي الحديث: "ليس شيء أطيع الله فيه أعجل ثواباً من صلة الرحم وليس شيء أعجل عقاباً من البغي وقطيعة الرحم" وفي الحديث أيضاً: "حتى إن أهل البيت ليكونون فجرة فتنمو أموالهم ويكثر عددهم إذا تواصلوا".
إنه أنس الوجود الذي أقام الحياة الزوجية على الحق والخير، فاستقامت الأسرة على التقوى، فهي آية الله في الوجود الإنساني فيها المودة والرحمة، وشدد الإسلام على الزوج في حق زوجته، وشدد على الزوجة في حق زوجها، حفاظا على الأسرة من الخراب، وعلى البيت الواحد من الهدم، وعلى الكيان الأسري من تلاعب الشيطان، وقدس الإسلام العمل الذي من شأنه سعادة الزوجين، وعمران البيوت بالخير، وامتلاءها بالغبطة والسرور، ويرشد الأسرة إلى رفع الهفوات من الحياة ويمتدح المرأة التي تحفظ كيان الأسرة، ويشيد من أمرها فالمرأة هي القدرة الفعالة داخل البيت، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا أخبركم بنسائكم في الجنة؟ قلنا: بلى، يا رسول الله. قال: ودود ولود إذا غضبت أو أسيء إليها أو غضب زوجها، قالت هذه يدي في يدك لا أكتحل بغمض حتى ترضى" رواه الطبراني.. هل رأيتم حفظاً للأسرة أكثر من هذا تقوم به المرأة العظيمة؟ هل هناك تنقية للأجواء أكثر من هذا إذا غضبت أو أسيء إليها أو غضب زوجها" تقوم بالحفاظ على الأسرة، لأنها اليد الحانية والدواء النافع، والكهف الذي يأوي إليه كل أفراد الأسرة وأولهم الزوج؟.. وهكذا كان الأنس الأسري والرحمة والتراحم هو العنوان العريض داخل الأسرة المسلمة.
إنه أنس الوجود الذي حفظ حق الجوار، وأعلن عن حقوق الجار، ففي الحديث الصحيح "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره" إنه إكرام وإحسان، ويقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره" متفق عليه.. قال المناوي في فيض القدير:أي من كان يؤمن بجوار الله في الآخرة والرجوع إلى السكنى في جواره بدار كرامته فليكرم جاره في الدنيا بكف الأذى وتحمل ما صدر عنه منه والبشر في وجهه وغير ذلك كما لا يخفى رعايته على الموفقين والجار من بينك وبينه أربعون داراً من كل جانب، ثم الأمر بالإكرام يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال فقد يكون فرض عين وقد يكون فرض كفاية وقد يكون مندوباً ويجمع الجميع أن ذلك من مكارم الأخلاق.
وهكذا تتسع دائرة الأنس في الحياة، فتأخذ الجيران في دائرة الإحسان، ثم الناس جميعاً، ففي الحديث الشريف: "كل معروف صدقة"، وفي الحديث الصحيح: "لا تحقرن من المعروف شيئاً أن تأتيه، ولو أن تهب صلة الحبل، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تلقى أخاك المسلم ووجهك بسط إليه، ولو أن تؤنس الوحشان بنفسك".. قال صاحب النهاية في غريب الحديث: الوَحْشَانُ: المُغْتَمُّ. وهُو فَعْلان من الوَحْشَةِ: ضدّ الأُنْس والوَحْشة: الخَلْوَة والهَم..قال في عمدة القاري: أي تلقاه بما يؤنسه من القول الجميل، أو يبلغ من أرض الفلاة إلى مكان الأنس.
 إنه أنس الوجود يملأ الحياة كلها أنساً من الفرد الواحد الذي يأنس بالطاعة ويتقلب في نعيمها، إلى الزوجين للذين يكونا طرفي معادلة السرور إلى طاعة الوالدين ورحمة الأبوين إلى حسن الجوار، هل رأى الوجود مثل محمد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يملأ الكون بالأنس والحياة بالرحمة والوجود بالسكينة والعالم والإنسان كل الإنسان بالطمأنينة الإيمانية والرحمة المحمدية.
 

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد