القاعدة السياسية الأمنية الاقتصادية تقول "لا يوجد عدو دائم ولا صديق دائم وإنما المصالح السياسية الأمنية الاقتصادية هي من تحكم طبيعة تلك الصداقة" .. وهذه القاعدة جعلت بعض الدول العظمى تتبنى مواقف تجاه مجريات بعض الدول المنهكة ومزعزعة سياسياً واقتصادياً وأمنياً.. أو تغير حساباتها لأجل إحداث تغيير جذري في مواقفها من بعض هذه الدول كما حدث مؤخرا لمواقفها المؤيدة للبعض والمنددة المشددة للبعض الآخر .
عندما أصبح الإنسان الكائن الأقوى على هذه الأرض أختل الميزان البيئي وحتى يقف عبث الإنسان ونشره الفساد كان لابد من وضع دستور وسن القوانين.... وكي نعرف ميزان قوة دولة ما, ما علينا إلا أن نعرف مقدار قوة أمنها القومي ومقدار مصالحها المؤمنة في العالم .. لهذا كثير من الدول بين فترة وأخرى تقوم بعمل تقييم شامل ودقيق لمعرفة ميزان قوتها وتعد هذه المعلومات من المعلومات الأمنية السرية جداً.. وإذا قررت دولة إظهار بعض قوتها فإنه يكون من باب الاستعراض لأهداف ضمن سياستها الأمنية ولا تكتفي بذلك, بل إنها تسعى إلى تقدير تقريبي لمعرفة ميزان قوى الدول الأخرى وخاصة الدول القوية المنافسة حتى وإن اضطرهم الأمر لاستخدام جواسيس يسطون على تلك المعلومات ونقلها لهم.. وعلى ضوء ذلك تحدد تسميات تلك الدول.. من دول عظمى إلى دول قوية إقليمياً.. إلى دول ضعيفة, إلى دول عملاقة تنهض.
وبناءً على ذلك الميزان تكون أمريكا هي القوى العظمى في العالم وتحديداً منذ انهيار الإتحاد السوفيتي الذي كان يمثل المنافس القوي لأمريكا, فمنذ ذلك الانهيار حدد شكل النظام العالمي الجديد الحالي .. منها فقدت دول كثيرة مصالحها في دول استولت عليها أمريكا.. وتسعى دول أخرى طامحة إلى رفع ميزان قوتها وفق أطر إستراتيجية معينة تنتهج سياسة غير موجهه إلى قوى أكبر منها .. والبحث عن مصالح لا تتعارض مع قوى عالمية وإقليمية كما يحدث بالنسبة للصين, وروسيا .. وسعي الصين للسيطرة على معادن خام نادرة والتي تعتبر من أهم المعادن في القرن الحالي( الكولتان).... وما يحدث من تنافس بين الاتحاد السوفيتي وأمريكا إبان الحرب الباردة ويعتقد بعض المفكرين والمحللين أنه بالرغم من المآسي والمشاكل التي رافقت الحرب الباردة إلا أنها سرعت عملية التطوير العلمي التي أوصلتنا لما نحن عليه, فلولا ذلك التنافس الشرس ما وصلنا إلى هذا الحد من تطور العلوم والاختراعات والإكتشافات والتقنيات.... وأيضاً لدينا مثال في الشرق الأوسط والحرب الباردة بين إيران ودول الخليج.. فإيران دولة طامحة لأن تكون قوة في منطقة معزولة تبحث عن مصالحها في المنطقة .... تتمثل في إستثمارات وعقود شركات وصفقات وإمتداد أمني وسياسي واقتصادي.. إلخ.
في الوقت ذاته هناك قوى في المنطقة شعرت بالخوف على مصالحها من أن تضر بها وتسطو عليها إيران والنتيجة ما نشاهده اليوم من سباق تسلح لدى الطرفين فإيران تطور وتشتري أسلحة, مما يجبر دول الخليج على شراء أسلحة بمبالغ خيالية.. وعندما سعت إيران لضم دول إلى محيطها من أجل مصالحها كما هو في حالة سوريا, أو دعم سياسي لبعض التنظيمات السياسية كما هو في حزب الله والحوثي .. يقابله سعي من دول الخليج لضم في المنطقة لمحيطها وهذا ما حدث مؤخراً عندما عرضت دول مجلس التعاون الخليجي على الأردن والمغرب الانضمام للمجلس في مواجهة قوى إيران مقابل دعم مادي ومساعدات تقدمها لها خاصة بعد أن فقدت حلفاء لها كالنظام المصري وعلى وشك أن تفقد آخر كالنظام اليمني.. بالرغم من هذا السباق إلا أن المشروع الأمني الإيراني لا يقتصر على حلفاء وتسليح فقط, بل يضم مشروعاً علمياً وبحثياً والذي لا يوجد لدى دول الخليج .. هذا السباق المستعر بين دول الخليج وإيران ينذر بكارثة وشيكة في المنطقة.. وهناك مثال آخر ما يحدث بين باكستان والهند والتفجيرات النووية والتنافس العسكري والتنافس الطبي .
فكل ما يحدث هو تنافس وصراع, حيث توجد المصلحة تجد جميعهم مواقفهم موحدة في الكثير من القضايا وقد يحدث اقتسام المصالح بينهم, كما حدث في اتفاقية "سايكس بيكو".. وبسبب هذا الاقتسام لا ترى أزمات سياسية حادة بينهم فنرى فرنسا تسطو على أفريقيا ..ونرى أمريكا في الشرق الأوسط بقوة أكبر.. لهذا تقف أمريكا معارضة لقيام أي حلف قد يخل بقوتها وتسعى لأن تكون لها مصالح في جميع دول العالم ولا تتخلى عن مصالحها أبدآ.. لهذا السبب دائما ما تصف أمريكا نفسها بشرطي العالم وكما يصفها البعض (العم سام).
وبعيداً عن نظرية المؤامرة على بعض الشعوب وحتى لا يكون ترويجاً لتلك النظرية لا أعتقد انه يختلف اثنان حول حقيقة أن المصالح هي من تحكم مصالح القوى في كل مكان حول العالم.
وكي نعرف طريقنا داخل أجندة الآخر ولمحو الأمية السياسية علينا أولاً أن نعرف طبيعة تلك الجماعات الإسلامية المسلحة التي تتواجد في دول مثل اليمن أفغانستان والشيشان والصومال والنيجر ومالي وسيراليون والكونغو وليبريا وغيرها من الدول في الشرق الأوسط وإفريقيا.. والدور الاستراتيجي الإسلامي في المنطقة!!
ما بين الصراع والتنافس, ما بين المصالح والمطامع - دماء أهـــدرت ونفـــوس أزهقــت.. دول قامت وأخرى نامت ..شعب تطور وشعب تدهو..!
فيروز محمد علي
دول عظمى بين الصراع .. والتنافس! 1416