ظاهرة غير شرعية أن يؤثر الكثير من العلماء و الدعاة و الساسة و المفكرين سياسة الصمت تجاه التحديات التي تهدد مصالح دينهم و شعوبهم و أوطانهم.
وأنها لخيانة للأمة أن يلتزم هذا البعض بالحيادية السلبية ليندرجوا في قائمة الأغلبية الصامتة التي لا تحرك ساكناً إيثاراً للخوف والسلامة والمـصلحة الشخصية، مـما جرأ البعض من المنـحـرفـيـن فـكـرياً وأخلاقـياً أن يمـثـلوا هـذه الشعـوب و يتبنوا قـضاياها ويكـونوا بمـثابة المـتحدث أو الناطق الرسمي عنها، فإلى الله نشكو جلد الفاجر وعجز الثقة، كما قال الخليفة عمر.
ومن التـناقض الغـريب أنـنا ما نـزال نـسمـع البعـض يتـغـنون في خطبهم ونـدواتهـم بـتـضحـيات الأنبياء و غزوات الصحابة و شجاعة السلف و جهاد الشعوب و الثورات في فلسطين و ليبيا و بلاد الأفغان و مصر و سوريا وغيرها و يذكرون الناس بشعيرة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و أن الأمة ما استحقت الخيرية إلا بها ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر) و أن رسول الله قد لخص الدين كـله في النصـيحة ( لله و لـكتابه ولـرسوله ولأئمة المـسلمين و عامتهم ) رواه مسلم، و أن الـقيام بـواجب الـدعوة هي سبيل النبي و أتباعه ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني )، ثـم نـراهم بعد ذلك كله قريبين لمن ذمهم الله و كذّب أعذارهم بقوله ( ومنهم من يقول إئذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا ) فـفتنة السكوت عن المنكرات، لاسيما
العـامة التي تهـدد المـصالـح الـعامة أعظم ( يقـولون إن بيـوتـنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فراراً) و سماهم سبحانه قاعدين مخلفين أي عن نصرة الحق و الدين، كما سـماهـم معـوقـين مرجفين و ذلك بتـضـخيـم قـوة الباطل و تحـقـير إمكـانات الحق و إدعـاء العـجز عن المـواجهة و الإصلاح
و التغيير (قد يعلم الله المعوقين منكم... مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء)، فهم يحرصون على سـياسـة إرضاء جـميع الأطـراف وإمسـاك العـصا من الـوسط و إيـثار السـلامة و هي سيـاسـة غير شرعية و لا واقعية، فقد صح عن عائشة مرفـوعاً ( من اسخـط الله برضا الناس سخـط الله عليه وأسخط عليه الناس) و رحم الله الإمام الثوري حيث قال: (إذا رضي عنك كل جيرانك فاعلم بأنك منافق) ذلك بأنه من الطبيعي أن يكون لصاحب الحق أعداء كما قال ورقة بن نوفل لرسول الله : (ما أتى نبي بمثل ما أتيت به إلا عودي) رواه البخاري، وهو مصداق قوله تعالى (وكـذلك جـعلـنا لكل
نبي عدواً من المجرمين وكفى بربك هادياً و نصيراً) ومن حكم الإمام الشافعي قوله : إرضاء النـاس غاية لا تدرك و إرضاء الله غاية لا تترك.
ومن أشـنع صـور الإرجـاف والتعويق و التخـذيل الـتأصيل الشـرعي والسـياسي الوهـمي له غير المبني على البحث و الدراسة و المنطلق من نفسية و عقلية ضعيفة، ثم التذرع بأنه مقتضى الشرع و العقل و المصلحة و الحكمة وصدق المتنبي حيث قال :يرى الجبناء أن العجز عقل وتلك خديعة الطبع اللئيم و حسبهم إثماً كتمانهم أمانة العـم وواجـب الـبلاغ و البيـان وما أجـدرهم بلعنة الله و لعـنة الـلاعنين ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بينه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون) "لـعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود و عيسى ابن مريـم ذلـك بـما عـصوا و كـانـوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) إنها لخيانة للدين و الشعوب و الأوطان و سبيل جهالة وضلالة أن تكون قيادة الجماهير و صياغة عقولهم و آرائهم و أفكارهم على يد السفهاء و الغوغاء و الذين هم أقلية شـكلوا بشـجبهم و شـغـبهم ظاهرة صـوتية على حـين غفلة أو طواعية من العقلاء و العلماء الذين آثروا الصمت و الكتمان (وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين). إنها دعوة للأغلبية الصـامتة الذين حين نطقوا و طالبوا بحـقوقهم و نفـضوا ثـياب الخـوف و غـبار الصمت أسقطوا أنظمة الظلم و الفساد في ثورات شعـبية مـباركة أن يواصلوا ثورتهم حتى يحـقـقـوا كامل أهدافها و إنها دعوة لخصوص علماء ودعاة و أتباع الدعوة السلفية المباركة بما حباهم الله من علم ومصداقية و أغلبية في كثير من المواقع أن يسهموا في معركة الصراع الفكري والسياسي و يكونوا ربان السفينة و صمام الأمان في إخراج البلاد من تحدياتها الراهنة.
يا أيها العلماء في كل البلاد وكل فن
إن الطواغيت اعتدوا لما التحفتم بالوسن
وعكفتموا بمساجدٍ وتركتم الدنيا لمن
والدين ليس بعزلةٍ عن خطب شعب مرتهن
رئيس رابطة علماء و دعاة عدن
الشيخ/ عمار بن ناشر
الأغلبية الصامتة 1979