يترقب اليمنيون بمختلف أطيافهم السياسية والحزبية والاجتماعية التئام مؤتمر الحوار الوطني وانتهاء حالة الاحتقان الداخلي التي صارت تشكل للغالبية العظمى من أهل هذا البلد البسطاء هماً مقلقاً في الليل والنهار خاصة وإنهم الذين يشعرون من أنهم باتوا تحت حصار مجموعة من الأزمات الخانقة وأسرى لصراعات تتشابك فيها الأدوات والأدوار والمصالح وهم لذلك ينتظرون بشغف صدور القرار الرئاسي الذي يتضمن موعد ومكان انعقاد مؤتمر الحوار والمشاركين فيه، حيث أن تحديد الموعد النهائي لانطلاق هذا المؤتمر سيطمئن رعاة المبادرة الخليجية والمهتمين والمراقبين وكذا الغالبية الواسعة من اليمنيين الذين ينتابهم الخوف والقلق على بلادهم من أن الطريق إلى مؤتمر الحوار صارت ممهدة وأبوابه مشرعة أمام جميع مكونات الشعب اليمني ودون أي استثناء لأحد أو خطوط حمراء على أية قضية أو موقف أو رأي أو موضوع أو مطلب.
وعليه فإذا كانت غالبية اليمنيين تتطلع اليوم إلى تسارع الجهود من أجل اختصار المسافات الموصلة إلى مؤتمر الحوار فإن إضفاء عامل الغموض على موعد انعقاده بعد تأجيله أكثر من مرة يعطي إشارة مغلوطة لبعض القوى من أن بوسعها عرقلة انطلاقة مؤتمر الحوار وإفشال العملية الانتقالية السلمية برمتها وإعادة الأوضاع في البلاد إلى المربع الأول.. وملامح مثل هذه النوايا ليست فقط بادية في الأفق ولكنها تتواجد عملياً أمام عيوننا.. فالمرتبطون بالتيار الانفصالي الذي يقوده علي سالم البيض أصبحوا بالتبعية مرتبطين أيضاً بأجندات خارجية.. وما رفع من الشعارات وتردد من العبارات في مهرجان (التصالح والتسامح) وما رفع في نفس الساحة والمكان الذي أقيم فيه هذا المهرجان من يافطات وأعلام شطرية دليل إثبات على أن هناك من يتحرك في إطار مخطط مكشوف لتمزيق اليمن اجتماعياً بعد أن فشل في تمزيقها جغرافياً.
دعونا مما قيل في هذا المهرجان حول تواصل الانفصاليين مع قوى إقليمية ودولية نافذة بهدف إقناعها بدعم مشروعهم وما أفضى إليه هذا التواصل من لقاءات علنية ومحادثات سرية الله وحده أعلم بما دار في كواليسها ودهاليزها.
ودعونا أيضاً مما جرى في ذلك المهرجان من تحريض وإساءات لأبناء الشمال الذين وصفوا ب (المحتلين) وإنهم الذين سيطردون من أرض الجنوب كما طردت عناصر الاستعمار البريطاني من قبلهم.
ودعونا كذلك من إنكار يمنية الجنوب والترويج المتعمد والكاذب من أن هوية (الجنوب العربي) هي جوهر الصراع مع اليمن.. دعونا من هذا الكلام كله لأن الأكثر بلاء أن يجري هذا القدر من التدليس والزيف وتحريض اليمنيين على بعضهم البعض تحت شعار (التصالح والتسامح) وتحت سمع وبصر كافة الجهات الحكومية والأحزاب والتنظيمات السياسية والفعاليات المدنية التي لم يصدر عنها أي رد فعل بل إنها قابلت الأمر بأُذن من طين وأخرى من عجين.
وفي هذا الجانب فإن من السهولة بمكان القول من المنظور السياسي إن من يطالبون بانفصال جنوب اليمن عن شماله لا يشكلون غالبية أبناء الجنوب وإنهم ومهما حشدوا من مؤيديهم في مهرجاناتهم وفعالياتهم التي تنادي بالانفصال فسيظلون قلة عددية لا تستطيع الادعاء بحق تمثيل النطاق الجغرافي الذي تتحدث باسمه كما أنها لا تمتلك تفويضاً كاملاً من قاعدته السكانية حتى يخشى منها وما تقوم به من أفعال وتصرفات.
كما أن من الممكن أن يقال وببساطة شديدة أن من ينادون بالانفصال هم جماعات متضررة من الوحدة وان هذه الجماعات لا تلتقي على مشروع واحد وان كلا منها يبحث عن دولة تكون على مقاسه وليس على مقاس اليمن وذلك من المنظور السياسي والاستراتيجي غير ممكن فجنوب اليمن ليس جنوب السودان وهناك فرق شاسع بين الجنوبيين فجنوب السودان مسيحي لا تربطه بشمال السودان أية علاقة عكس جنوب اليمن المرتبط بشماله اجتماعياً ودينياً وعرقياً وثقافياً ولغوياً ووجدانياً.. إلا أن كل هذه المبررات لا يمكن الركون إليها في مواجهة المخاطر التي تتعرض لها الوحدة اليمنية خاصة وإنها مخاطر تتراكم بسبب غياب المشروع الحداثي للوحدة الوطنية والمتمثل في بناء الدولة الوطنية المؤسسة على تجسيد الحقوق الطبيعية للإنسان اليمني في الواقع الملموس.
ومن هنا نعتقد أن مؤتمر الحوار الوطني لن يكون ناجحاً إذا لم تتوفر له أرضية النجاح من الداخل فلا ينبغي التعويل على الدعم الخارجي سواء كان إقليمياً أو دولياً من دون أن يتحقق هذا النجاح من داخل اليمنيين أنفسهم ومن دون أن يتحول الحوار إلى شوكة ميزان نقيس بها وطنيتنا حين نتساءل: أين اليمن في جمعنا وخطابنا ومشروعنا؟ وما لم يصبح اليمن أيضاً هو المنار الذي يعصمنا جميعاً ويثبت وجهتنا وقولنا وإننا معه نختلف بمسئولية ونتوافق بمسئولية وبدونه يصبح اختلافنا متناسلاً ومنتجاً خلافات تحت مرجعية الفوضى حيث لا معالم ترشدنا لأن نتفق.
*نقلاً عن صحيفة الرياض
علي ناجي الرعوي
اليمن.. بين منطق الحوار وخطاب الانفصال 2689