قال الله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} (4) سورة الشرح. جاء في تفسير ابن كثير: قال مجاهد: لا أُذْكرُ إلا ذُكِرتَ معي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله. وقال قتادة: رفع اللهُ ذكرَه في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا مُتشهد ولا صاحبُ صلاة إلا ينادي بها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.
وقال حسان بن ثابت:
أغَـرّ عَلَيه للنبـوة خَـاتَم ... مِنَ الله من نُــور يَلوحُ وَيشْهَد
وَضمَّ الإلهُ اسم النبي إلى اسمه ... إذا قَالَ في الخَمْس المؤذنُ: أشهدُ
وَشَقَّ لَـهُ من اسـمه ليُجِلَّه ... فَذُو العَرشِ محمودٌ وهَذا مُحَمّـَدُ
وقال آخرون: رفع الله ذكره في الأولين والآخرين، ونوه به، حين أخذ الميثاق على جميع النبيين أن يؤمنوا به، {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} (81) سورة آل عمران. وأن يأمروا أممهم بالإيمان به، قال الله تعالى: وقال الله تعالى:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)} سورة الأعراف. ثم شهر ذكره في أمته فلا يُذكر الله إلا ذُكر معه.
وقال الشوكاني: والظاهر أن هذا الرفع لذكره الذي امتنّ الله به عليه يتناول جميع هذه الأمور، فكل واحد منها من أسباب رفع الذكر، وكذلك أمره بالصلاة والسلام عليه، وإخباره عن الله عزّ وجلّ أن من صلّى عليه، واحدة صلى الله عليه بها عشراً، وأمر الله بطاعته كقوله: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} وقوله: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} وقوله: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } وغير ذلك وبالجملة, فقد ملأ ذكره الجليل السموات والأرضين وجعل الله له من لسان الصدق والذكر الحسن والثناء الصالح ما لم يجعله لأحد من عباده { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم }، اللَّهم صلّ وسلم عليه وعلى آله عدد ما صلى عليه المصلون بكل لسان في كل زمان.
يقول سيد قطب: رفعناه في الملأ الأعلى، ورفعناه في الأرض، ورفعناه في هذا الوجود جميعاً . . رفعناه فجعلنا اسمك مقروناً باسم الله كلما تحركت به الشفاه: « لا إله إلا الله . محمد رسول الله » . . وليس بعد هذا رفع، وليس وراء هذا منـزلة . وهو المقام الذي تفرد به e دون سائر العالمين . .
ورفعنا لك ذكرك في اللوح المحفوظ، حين قدر الله أن تمر القرون، وتكر الأجيال، وملايين الشفاه في كل مكان تهتف بهذا الاسم الكريم، مع الصلاة والتسليم، والحب العميق العظيم .
ورفعنا لك ذكرك.. وقد ارتبط بهذا المنهج الإلهي الرفيع وكان مجرد الاختيار لهذا الأمر رفعة ذكر لم ينلها أحد من قبل ولا من بعد في هذا الوجود.. فأين تقع المشقة والتعب والضنى من هذا العطاء الذي يمسح على كل مشقة وكل عناء؟..
لقد رفع الله ذكر نبيه الكريم, فلا تمر لحظة من ليل أو نهار إلا وصوت المؤذن يهتف بأعلى صوته أشهد أن محمداً رسول الله، فدوران الفلك يجعل دخول أوقات الصلوات يتتابع، ومعه يعلو صوت المؤذن أشهد أن محمداً رسول الله، وهكذا يبقى الهتاف باسمه الشريف طوال الوقت، تصديقاً بنبوته ورسالته، أشهد أن محمداً رسول الله. ويكرر النداء عند إقامة الصلاة أشهد أن محمداً رسول الله، على امتداد رقعة الزمان والمكان في هذه الأرض الوسيعة.
ولا يولد مولود للمسلمين إلا وأذن وأقيم الصلاة في أذنه، فمن السنة أن يؤذن في أذنه اليمنى، ويقام للصلاة في أذنه اليسرى، وهكذا مع كل مولود تنطق ألسنة المسلمين أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله.
ومما رفع الله به ذكر نبيه, نشر اسمه الشريف بين الناس؛ فلا تكاد أسرة من المسلمين إلا وفيها اسم محمد، هذا الاسم الشريف، وهو اسم يمثل أمة، ويدل عليها ويشهرها بين الناس.
وقال السعدي: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} أي: أعلينا قدرك، وجعلنا لك الثناء الحسن العالي، الذي لم يصل إليه أحد من الخلق، فلا يذكر الله إلا ذكر معه رسوله - صلى الله عليه وسلم - كما في الدخول في الإسلام، وفي الأذان، والإقامة، والخطب.. وغير ذلك من الأمور التي أعلى الله بها ذكر رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم, وله في قلوب أمته من المحبة والإجلال والتعظيم ما ليس لأحد غيره، بعد الله تعالى، فجزاه الله عن أمته أفضل ما جوزي نبيًا عن أمته.
د. محمد عبدالله الحاوري
ورفعنا لك ذكرك 1987