رغم أن جزءاً من الأرض اليمنية تم وهبها أو بيعها للجارة والشقيقة السعودية، ورغم أن خيرة العمالة والشباب اليمني في السعودية منذ القدم قد ساعدوا في تشييد المملكة العربية السعودية وبنيتها التحتية من خلال العمالة الماهرة والأمينة بنفس الوقت، ورغم جميع المقومات المشتركة بين البلدين، من الدين إلى..... الجوار،... الخ. إلا أن المغترب اليمني في الجارة السعودية لم يحض بأي امتياز، بل والأدهى من ذلك لم يحصل حتى على حقوقه وعلى تعب وعرق جبينه.
قضية المغتربين اليمنيين في السعودية أثرت بشكل سلبي على معنويات المغتربين النفسية والمالية وألحقت بهم ضرراً ومعاناة تضاف إلى الأضرار والمعانات التي يلاقيها المغترب بسبب نظام الكفيل الذي يعد احد مظاهر العبودية والرق، والذي يتنافي مع مبادئ الدول وقوانينها فالمغترب اليمني بموجب هذه الكفالة يعتبر مملوكاً بصك قانوني للكفيل.
تبدأ رحله المعاناة مع المغترب اليمني مبكراً من أرض الوطن عندما يلجأ الشاب نتيجة للأوضاع الاقتصادية، والفساد الممنهج الذي أصاب اليمن، والمعيشة الصعبة إلى شراء التأشيرة بمبالغ كبيرة قد تصل إلى 15 ألف ريال سعودي، بعد أن يبيع كل ما يملك من أجل شراء (الفيزة أو التأشيرة) ولا يسأل كثيراً عن التفاصيل لأن ذلك غير مخول له، وقليل من يسأل عن الكفيل لأن الكثير همهم هو الخروج من هذه البلد والبحث عن مصدر دخل ولا يفكر بالعواقب إلا عندما يصطدم بالواقع المرير هناك.
أكثر من حكاية تكشف أكثر من مأساة بل إن حكايات المغترب اليمني مع كفيله في المملكة العربية السعودية تتجاوز حدود الممكن من الابتزاز والنصب والاحتيال والاستغلال والجشع واللهث وراء الربح الغير مشروع. لا أكرر تلك المعاناة فالكل لديه قريب أو صديق فلا تخفى على أحد، فهناك شباب فقدوا عقولهم وحياتهم خلف العناوين المأساوية، ومنهم من أصيب بحاله نفسيه ومنهم من انتحر ومنهم من باع كل ما يملك وعاد إلى أرض الوطن بعد سنوات من الاغتراب، وعند سؤاله ماذا كسبت من الغربة ؟؟ يقول "" كنت أشقى على الكفيل ".
مغترب يأمل بتصحيح وضع أستمر طويلاً، شعباً يعاني في الداخل والخارج مرارة الحياة والظلم، مغترب عندما كان يسمع الثوار في الساحات يقولون " الشعب يريد بناء يمن جديد" كان يطير فرحاً عند سماع تلك العبارات الرنانة، لكن مع الأسف الشديد الوضع إلى الآن نفس الوضع السابق بالنسبة للمغترب، مغترب يعاني في السجن، وآخر تحت رحمة الكفيل الذي سلبه كل حقوقه، ولم يجد من ينصفه، مغترب يطلب العون ويرسل مناشدة ونداء استغاثة هل من مغيث يغيثه أو على الأقل يهتم لأمره، يستغرق بالتفكير وحين يقرر العودة يصده نداء من اغترب لأجلهم وضحى ولازال يضحي لتوفير العيش الكريم لهم فعودته ستضعهم في وضع العوز والحاجة، فهل من مخرج أو حل لما هم فيه.. ؟
حلول ضعيفة
الحلول من قبل الجهات المعنية ضعيفة، كضعف واقعنا المعاش، ويعتبر ذلك الضعف امتداد لما تعيشه اليمن من أحداث ومشاكل سياسية انعكست على الوضع الاقتصادي.. يعاني المغتربين من تهميش الجهات المعنية لمشاكلهم وبالذات الجالية و سفارتنا في الرياض، يقول أحد المغتربون عبثاً وإهداراً للمال العام إنشاء سفارة لا جدوى منها، ولا تقوم بأدنى واجباتها، ويقولون إنه لا تكاد قضاياهم تحتل أي مساحة في أجندات اهتمامات الحكومة، غير أن البعض يشيد بالدور المتواضع لوزارة المغتربين.
قيادة وزارة شؤون المغتربين تؤكد أنها تعمل ما بوسعها ووفق الإمكانات المتاحة لها في متابعة قضايا المغتربين وحل مشاكلهم ولكنهم يشبهونها بالمريض الذي يلجأ للدكتور بعد أن تكون حالته قد استفحلت وربما يصعب معالجته، حيث يلجأ المغتربون إلى الوزارة بعد مشوار طويل من الوساطات والمحاكم، فتجد الوزارة نفسها محصورة أمام حلول ضيقة قد لا ترضي المغترب نفسه.
ولعل توقيع وزارة شؤون المغتربين وشركة الدرعان للمحاماة والاستشارات القانونية في السعودية لاتفاقية «حماية حقوق العامل اليمني..» بادرة خير لوقف سعير تلك الحرب الموجهة ضد المغترب اليمني، خاصة وأن هؤلاء العمال تنتهك حقوقهم طوال الوقت، وذات الاتفاقية تمكنهم من تفادي أي منغصات تعكر علاقتهم التعاقدية والقانونية مع الكفلاء وأرباب العمل، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم نسمع بدور تلك الشركة تجاه المغتربين اليمنيين حتى الآن، ولم نسمع أن بنود تلك الاتفاقية قد طبقت على قضية مغترب رغم العشرات بل المئات من القضايا التي يضطهد من خلالها المغترب اليمني يومياً.
في الأخير نقول إن على الجارة والشقيقة السعودية أن تدرك ما يلي: يقول ابن خلدون إن (الظلم مؤذن بخراب العمران ).. اليمن مكمل جغرافي واستراتيجي للخليج بشكل عام وللمملكة العربية السعودية بشكل خاص، وبالتالي فإن استمرار الحقد والغضب الشعبي ليس في صالح الجارة والشقيقة السعودية.. إذا استمر الظلم والاضطهاد للمغترب اليمني ومعاملته معاملة السيد للعبد، وليست معاملة نديه قائمة على الأخوة وحسن الجوار والمعاملة الحسنة، فإن الكثير من هؤلاء المغتربين سيكونون لقمة سائغة وسهلة بيد (الحوثيين) وتوسعه, مستعيناً بهؤلاء الذين ذاقوا الظلم، ولم تعد لحياتهم قيمة، وبالتالي سيكون هؤلاء وأمثالهم قنابل مؤقوتة، وأيادٍ لكل من يرفع شعار العداء تجاه المملكة العربية السعودية، فلا أعتقد أن أحداً يريد أن يصل إلى تلك المرحلة.
لا نعرف تفسيراً لتلك القساوة في المعاملة تجاه المغترب اليمني في السعودية، فالمكسيكيون جيران أمريكا - مثلاً- لهم الحق بالعمل في هذه الأخيرة قبل أي جنسية أخرى لسبب وحيد فقط هو «الجوار»، أما ما بيننا وبين الشقيقة السعودية يتعدى الجوار.. نسأل من الله أن يعزنا في أوطاننا.
al-nwirh2@hotmail.com
سلطان علي النويرة
المغترب اليمني ونظام الكفيل .. رحلة معاناة 2212