قصيرة هي الحياة جداً.. مليئة بالحزن ونادرة فيها الأفراح، خلقنا فيها للامتحان والابتلاء.. كثيرة فيها الأحجار والذكي هو من يبني من هذه الأحجار سُلماً ليصعد إلى مراقي السمو والطموح.. لا شيء فيها دائم.. ودوام الحال فيها من المحال.. غني الأمس فقير باليوم.. وصحيح اليوم مريض غداً وزعيم القوم بالماضي مشرد في الحاضر.. ويعلم الله ماذا تخبئ لنا الأيام..
والليالي من الزمان حبالى * مثقلات يلدن كل عجيب.
تجمع المتناقضات.. هكذا خلقها الله "لنبلوكم أيكم أحسن عملا" و"الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت.. والأحمق من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني".
وعجبت لمن خبر هذه الدنيا.. ثم مضى في غيه تسول له نفسه الأمارة بالسوء بالعمر الطويل والتوبة المرتقبة.. لكن ما يقتلني ويصدمني هو "قلة الوفاء" و"انعدام الضمير"، فمن أحسنت إليه زمناً طويلاً وهو في حاله عوز وتشرد ثم دارت الأيام وابتسمت له الحياة وقادتك مساؤى الأقدار للقائه.. فإذا هو شخص آخر، كأنه لا يعرفك ولم تحسن إليه في زمانه العاثر..
إن الناس في هذه الدنيا معادن.. لكن للأسف بعضهم من صفيح الزبالة.. ولا تجوز بأي حال من الأحوال إطلاقاً صفة "المعدن" عليه..
فقدنا الكثير من القيم الاجتماعية.. الأمانة ـ التعامل بالصدق.. لذلك سنة التغيير في هذا الكون مرتبطة بتغيير أنفسنا "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".. ولكن مصيبة المصائب وداهية الدواهي أنك تجد إنفلات الكثير من هذه القيم لدى من يدعون أنهم دعاة تغيير وإصلاح دنيا.. يدعون إلى استثمار القلوب.. وهم أكثر من يستثمر الجيوب.. طغت عليه "ثقافة الدولار" وتنحى جانباً عن "ثقافة الإيثار" ليتعامل معك من برج عاجي.. وحراسة مشددة على الباب والدخول للأسماء اللامعة فقط.. التي يرتجى فيها مصلحة عائدة عليه..
كتبت ذات مرة رسالة إلى أحدهم.. ممن رفعتهم حظوظ الدنيا فقط: "إن المتكبر فوق جبل عال.. يرس الناس صغاراً.. ويراه الناس كالنملة".. بنفس العين التي ترى الناس بها هم أيضاً يرونك بنفس الصورة..
يعيش المرء في هذه الدنيا عمراً بحاله.. لكن تبقى الذكرى والذكرى الطيبة.. هي العمر الثاني للإنسان..
عش حياتك كما تحب.. لكن احذر الغرور والتعالي على الناس.. غداً ستفقد منصبك الذي يجاملك الناس من أجله.. وستفقد "رنات جوالك" المتواصلة.. وتتمنى اتصالاً من صديق أو قريب.. وستصبح خارج التغطية.. فاشحن بطاريتك من الآن.. وادخر ذلك الشحن لغد.. فالدنيا مثل فقاعة صابون أو سحابة صيف عما قليل تنفقع..
هناك من الأشخاص تشعر بفداحة رحيلهم.. ذلك لأنهم كانوا ينبوعاً من العطاء ودماثة الأخلاق.. هذه التوعية من البشر تبكي عليهم السماء قبل الأرض..
وهناك من الأشخاص من لا يبكيه أحد.. بل إن العباد والبلاد ترتاح منه.. ومن شره وسوء أخلاقه.. فرق كبيرة بين الصورتين لذلك حاول بقدر الإمكان واختر من الآن كيف تكون صورتك.. سواءً في دنياك أو آخرتك.. والله الموفق.
أبو الغيث معوضة
ترانيم وأوجاع.. على هامش الحياة 1410