في بلد أتصف أبناؤه بالإيمان والحكمة عبر مراحل تاريخهم الإنساني ينعقد مؤتمر الحوار الوطني في أجواء شديدة التعقيد وتحت سماء مُلبدة بالغيوم السوداء نتيجة للتبايُنات والاختلافات الشديدة فيما بين المتحاورين على اختلاف ألوانهم وأطيافهم وشرائحهم وفئاتهم الاجتماعية والتي تكاد تعصف بالوطن إلى مستنقع التشرذم والتجزئة..
فما يحدث اليوم من نخر في جسم الوطن يهدف إلى تقطيع أوصاله بفعل تلك القضايا المزمع تقديمها إلى مؤتمر الحوار من قِبل غالبية التيارات والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وبعض الشرائح الاجتماعية الممثلة في الحوار تؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك أننا ذاهبون بالوطن إلى المجهول والضياع, فالحراكيون اليوم بقضيتهم التي سوف يتقدمون بها إلى مؤتمر الحوار مطالبين بالانفصال والعودة إلى ما قبل عام 90م, وحجتهم في ذلك ما تعرضوا له من ظلم ونهب لأراضي المحافظات الجنوبية من قِبل النافذين من لصوص ومسئولي الدولة الذين غالبيتهم من أبناء المحافظات الشمالية، وكذلك بسبب الإقصاء والتهميش الذي مورس ضدهم عقب حرب صيف 94م، وهذا المشروع المقدم من الحراكيين لمؤتمر الحوار يحظى بدعم كبير من قِبل غالبية أبناء المحافظات الجنوبية وبدعم من معارضات الخارج يُساندهم في ذلك وعلى استحياء الحزب الاشتراكي اليمني والذي يتبنى القضية الجنوبية، يقف إلى جانبهم في مطالبهم هذه ويؤيدهم الحوثيون الذين يدخلون الحوار من بوابة قضيتهم (قضية صعدة) التي تعرضت أيضاً لستة حروب عدوانية شنتها عليها قوى ظلامية نافذة تحت غطاء الدولة والنظام السابق وبدعم من الجارة الشقيقة السعودية بدوافع مذهبية بحتة.. ودعم الحوثيين للحراكيين وتشجيعهم لهم على الانفصال أملاً في أن يحظوا هم أيضاً بالإنفراد بمحافظة صعدة بحُجة تقرير المصير لمحافظة تعرض أبناؤها للتنكيل والتمييز المذهبي والطائفي الذي يُعزز من حظوظهم بالفوز والإنفراد بمحافظة صعدة السلام.. يدخل على هذا الخط أبناء تهامة الذين يدخلون الحوار بغطاء القضية التهامية نتيجة لما تعرضت له تهامة من ظلم مورس ضدهم من قِبل من يسمون أنفسهم بمشائخ تهامة وبعض النافذين من لصوص الدولة, فالكثير من أبناء تهامة يقولون إن ثورة سبتمبر لم تصل بعد إلى مناطقهم, لذا فهم يدخلون الحوار بمطلب الاستقلال عن اليمن، وقد سبقوا ذلك بنشر صورة لعلمهم المستقبلي على الكثير من المواقع الإلكترونية..
وتدخل بقية التيارات السياسية الحوار وهي تحمل في أجندتها بعض الحلول والتي تدعم وتهدف إلى تقطيع أوصال الوطن مثل الفدرالية والإقليمية وكلها مشاريع انفصالية تدميرية لا تختلف أبداً عن ما حدث عند قيام الثورات العربية في القرن الماضي، والتي كان يُعول عليها غالبية العرب ويراودهم الأمل في أن تغير هذه الثورات الواقع على الأرض وتستعيد الأرض العربية لحمتها، ويستعيد الإنسان العربي هويته من خلال عدم الاعتراف بتلك الحلول المصطنعة والتي حددتها اتفاقيات سايكس بيكو والتي قطعت أوصال الأمة العربية وجزأتها إلى دويلات وممالك وسلطنات ومشيخات قائمة إلى اليوم، والذي يُعد فشلاً ذريعاً لتلك الثورات التي حدثت في تلك الحقبة الزمنية من التاريخ العربي، لأنها لم تغير على الواقع أي شيء, بل إنها كرست وأكدت على هذا التشرذم والتجزئة التي نراها اليوم بصورة تلك الدويلات والممالك والمشيخات القائمة التي ساهمت بإضعاف العرب أمام بقية الأمم والشعوب, على الرغم مما تمتلكه هذه الأمة من ثروة تكاد تكون الأغنى في العالم، وبسبب ذلك التقسيم الذي ساهم في جعل ثروات الأمة العربية وإمكانياتها الجبارة بيد حكومات وممالك ولائها للغرب, لأن الغرب هو من صنعهم، حتى يستطيع من خلال هؤلاء الحكام والملوك الخونة الاستيلاء على هذه الثروات وتسخيرها لصالح الإنسان الغربي، بينما الكثير من أبناء هذه الأمة يرزحون تحت وطأة الفقر المدقع نتيجة لاستئثار الحكام والملوك وأسرهم بالعائدات التي تعود عليهم من خيرات هذه الأمة، والتي تُشكل أكثر من 30% من ثروات العالم.
الذي جعل العرب وشبابهم يخرجون على هذه الحكومات مطالبين باستعادة ثرواتهم المنهوبة واستعادة كرامتهم, أولئك الحكام والملوك الخونة.. إلا أن ما تعانيه ثورات ما سُمي بالربيع العربي شبيه إلى حد كبير ما عانت منه الثورات العربية في القرن الماضي، والتي أكدت وأسهمت بالتأكيد على كل ما ورد في بنود اتفاقية سايكس بيكو, ذلك المشروع المشئوم الذي حول الأمة بكل إمكانياتها وخيراتها رهينة له حتى يتم تغيير الواقع فيه.. فما يحدث اليوم شبيه إلى حد كبير ما حدث في ذلك القرن الماضي، إلا أن سايكس بيكو هو أكثر خطراً من الذي سبقه، وخطورته تكمن في أنه يستهدف كل دولة على حدة خصوصاً دول الربيع العربي, فما نشهده في مصر لا يختلف كثيراً عن الذي نشهده في ليبيا وما نراه في سوريا شبيه إلى ما يحدث في اليمن، وما يحدث في تونس لن يكون بأقل مما يحدث بدول الربيع مجتمعة, فكل المؤشرات والدلائل تؤكد أن هذه الدول مقبلة على تفصيل أعلام جديدة لدويلات وسلطنات ومشيخات سوف ستظهر في الدولة الواحدة والتي سيكون من حقها أن ترفع علمها وبالألوان الذي تختارها ولها الحق في تحديد حدودها مع جيرانها ونشر جيشها على تلك الحدود ولها الحق أن تختار نشيدها الوطني, فما على دول الربيع العربي إلا أن ترحب بسايكس بيكو (2) بصدرٍ وقلبٍ مفتوح، والذي نأمل أن لا يتحقق.. والذي يدفعنا أن ندعو نحن في اليمن كل الشرفاء والخيرين من أبناء هذا الوطن الموهوب صاحب الإرث التاريخي الكبير أن يبتهلوا إلى الله في صلواتهم أن يتغلب الإيمان والحكمة على كل ما من شأنه أن يعصف بالوطن، ولينتصر الوطن بالإيمان والحكمة اليمانية.. اللهم آمين.
*رئيس منظمة الشباب المستقل
باسم الرعدي
الحوار الوطني على طريقة سايكس بيكو 1461