حتى يومنا الراهن ،لا يوجد من يمنح شهادات في علم الفساد.. الأمر الذي أدى إلى ضياع حقوق الكثيرين من خبراء البلاد ، الذين تميِّزوا, فأبدعوا أيما إبداع في هذا الحقل ..؛إنها مسألة مطروقة ، لا بل إنها شبعت طرقاً .. لكن ما زالت تستدعي الوقوف عندها ، والنظر فيها ، وبخاصة أنه جرى خلط الحابل بالنابل من خلال الكلام الرسمي المروَّج إعلامياً ،عن كون الفساد ظاهرة عالمية ، بل انه يبدو أن بعض المواقع التي أتابع يومياً ستصبح مثل المجلات المحكمة، تنشر آراء كل الكتاب والباحثين ضمن اختصاصات معينة، بحيث يصبح هناك مواقع متخصصة في قضايا الفساد والمفسدين. ولو أننا أوجدنا منبراً أو منابر متخصصة فقط في الحديث عن الفساد والمفسدين وحكمّنا لهم كل ما يكتبون من قبل لجان أدبية وقانونية حتى نبتعد عن هوى النفس في الكتابة الذي يميز بين الكتابة العلمية والكتابة الأدبية التي تحظى بشيء من هوى النفس، لو فعلنا ذلك فلن نخلص إلى نتيجة واضحة وذلك لأسباب عدة:
1- إن الإصلاح سرابٌ بقيعةٍ يحسبُهُ الضمان ماءً حتى إذا أتاه لم يجده شيئاً، ولن يرى جيلنا على الأقل والله أعلم قضية فساد واحدة يتم التحقيق فيها إلا لتصفية حسابات بين حيتان الفساد .
2- أصبح للفساد جذور تنخر في النخاع الشوكي ونحتاج كل أطباء وحكماء العالم يضعوا لنا خطط لإصلاحه، وعند التنفيذ ستجد من يقول لك حالة ميؤس منها ولا أمل فيها ولا داعي لصدمات كهربائية فقد وصلنا إلى طريق مسدود في الإصلاح .
3- يبدو أن المفسدين وصلوا مرحلة إبليس كلما لعنته طرب وانتشى، فنرى الكاتب كلما أظهر جانباً من جوانب الفساد طار المفسدون طرباً وربما جلسوا يكتبون بعض التعليقات بأسماء حركية مثل حركاتهم التي يفعلون دائماً في الخفاء، ويكتبون شيئا لم نكن قد تنبهنا له ليثروا الموضوع فقد تعلموا على الثراء والإثراء بكل الطرق منطلقين من مبدأ الغاية تبرر الوسيلة.
5- لا يوجد قانون يتحاكم له المفسدون إلا العزف المنفرد على القانون وهم يجلسون ينصتون بسماع اللحن النشاز يحتسون كؤوسهم ويحملون فؤوسهم التي يهدمون بها جسم الوطن كلاً من جهته.
6- السؤال العكسي لمعشر الكتاب: هل أصبحتم تساهمون في الفساد ؟! لأنه من كثر الطرح للموضوعات والناس يقرؤن أصبح لديهم نوع من اللامبالاة فيما يرون ويشاهدون، تماماً كما في الحروب أول يوم نتأثر ثاني يوم أخف، ثالث يوم يصبح الواحد يسأل كم عدد الجرحى و القتلى اليوم؟ أووف حتى المدارس قصفوها يعنى العملية كبرت الله يسترنا .
7- صرت أعتقد أن كثرة كتابتنا عن الفساد ومساوئ الفاسدين والمفسدين ما هي إلا نوع من تنفيس الناس وامتصاص غضبهم، يتضح ذلك من بعض تعليقات المعلقين مثل: " والله جبتها"، "كلهم زي بعض بالفساد"، "ينصر دينك"، "ليش ما تكتبتوا لنا عن المسئول الفلاني"، يا كاتبنا المحترم "ليش ما تكتب عن وزارة ....... واللي يحدث فيها". وهكذا كل واحد زعلان من مديره يدخل بتعليقه تحت اسم "المواطن الغيور"، أو "صقر اليمن"، أو .... ولا يكتب اسمه، لأنه مش واثق من عدالة قضيته، ولا مصدق ما يكتب لذلك يختفي وراء الألقاب والمسميات.
8- نخاف من العلاج الصحيح حتى ما يؤلمنا مقص الجراحة الذي يستأصل الفساد والورم الخبيث، وبالتالي نستسلم للأذى تحت ذريعة النعامة التي تدفن رأسها بالتراب ونكتفي بالتنديد والشجب حالنا كحال الجامعة العربية!!.
9- أحزابنا ديكور كأشجار الزينة لون وشكل وحجم بلا طعم ولا رائحة، طبعاً الحكومة ليست جادة في إيجاد حركة حقيقية ناضجة، ولا الأحزاب الحالية مجتهدة أن ترتقي بنفسها لمستوى هذا التفكير من النضج لأنها أسست بالأصل على نظام الفزعات والجاهات والواجهات، والمشيخات والأعيان ليس أكثر.
10- يحيط بنا الفساد كقطع الليل المظلم وقد أصبح كلنا حيراناً, الحليم والعصبي ، الكبير والصغير ، يخرج أحدنا من بيته وهموم الدنيا تتصارع في مخيلته من كثر الفساد وقلة الحيلة.
أجل لم يعد هناك تخطيط إلا لعملية فساد جديدة وهروب منها مثل الشعرة من العجين، والمواطن شايف ويتحسر ولا يوجد شخص كسبان.
على كل حال, فإن العمل العلمي عمل تراكمي والبحث العلمي متواصل يبني أحدنا على ما أسس زميله، وبما أننا اقترحنا موقعاً متخصصاً في الفساد والمفسدين، أرجوكم إلا تيأسوا أيها الكتاب أيها الأحباب، واصلوا البحث والتنقيب عن كل المفسدين وافضحوهم وتحدثوا عن كل بؤر الفساد كل من جهته على الأقل، لنعمل يداً بيد من أجل مكافحة الفساد قولاً وفعلاً وعملاً ،لا قولاٌ فقط .
رائد محمد سيف
وقفات مع علم الفساد 1686