قال صلى الله عليه وسلم "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته".. الإملاء للظالمين من لدن رب العالمين سنة من سنن الخلق المطردة في الكون وتتكرر الصور ذاتها عبر الزمن ويدرك كل ذي عقل بأن الظالم ستكون عاقبته وخيمة لا محالة وأنه واقع تحت وعيده جل وعلا للظالمين " إن أخذه أليم شديد "هود102..
فلماذا إذن لا يتعظ الظالم اللاحق بما لقيه الظالم السابق؟ لماذا لا يتعلم الإنسان المتجاوز للحدود الدروس من قضاء الله العادل الذي أطاح بأمثاله وأسلافه ؟!..
هؤلاء الظالمون ليسوا بحمقى ولا أغبياء, بل قد تراهم أذكياء أفذاذاً, بارعين في وضع الخطط واللعب بالأوراق وقد يقوم بعضهم بين الناس واعظا!! وقد يكون أحدهم متفقهاً في الدين, وقد يكون قارئاً جيداً, غير أن أحدهم قلما يدرك أنه الآتي في القائمة، والواقع عما قريب في دائرة العقاب الإلهي, وقد يشير بيده موجهاً أصابع الاتهام لهذا أو ذاك ظاناً في نفسه الخير ومؤملاً لها السلامة!.. هو ذكي وقارئ جيد, غير أنه لا يقرأ القراءة الصحيحة, فهو لم يقرأ حقيقة الإرادة الكونية المسطرة في القدم حين حرم الله الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرماً، فقال سبحانه في الحديث القدسي: "إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا".. وهو لم يقرأ ذاته على حقيقتها، بل يراها بأعين رمدت من النظر في الكيد للآخرين وتتبع عيوبهم ونقائصهم, وهو لم يقرأ بقلب مستنير بأنوار الحق التي لا تخلط الألوان، بل بقلب مشوش محب للشهوات يحيل الأبيض أسوداً والعكس.. فإن قرأ وتمعن فقلبه قد ران عليه غطاء غليظ من المعاصي والذنوب وأضحى مبعداً عن الله، وهو جل وعلا قد رتب سنة الهداية في قوله بعد الآية السابقة فقال إن أخذه اليم شديد, إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود".. فالمتعظ هو من يخشى الله جل وعلا في خطراته وأفكاره وأفعاله وهو من سينجو من الفضيحة الكونية في الآخرة...ويا لفضيحة الظالمين الكونية في ذلك المقام المهول حين يأتي الناس بغدرات صغار في حق فلان أو فلان من الخلق وهم يأتون بغدرات عظام في حق الدين والوطن والفضيلة والإنسانية جمعاء..هل تريد معرفة حقيقة ذاتك وقدرتك على اكتشاف مدى تلبسك بالظلم ؟؛
سوف ترى نفسك جيداً وتحكم عليها بإنصاف حين تتقن الوقوف في مكان الآخر وتتفهم وضعه وتقدر ضعفه وتأسى له بدلاً من معاملته باستعلاء، وعند النزاع والمحاكمة لا تضطر الضعيف للتوهان في ردهات القضاء، بل تنصفه من نفسك وأنت المسيطر القوي القادر على سحقه،وحين يتجرأ أحدهم ويتوجه لك بالنصح فاصغ له وناقش كلامه بحياد في وجدانك..هذه معايير جيدة قس بها نفسك.. حينها فقط ستكتشف وبسهولة ما رصيدك من الظلم وتتمكن من الرجوع لبارئك والتودد له ليخرجك من خندق الظلم الموحش لجادة الصواب والعدل والحق المبين، فتنجو النجاة الحقيقية في الدنيا والآخرة وتتوقف عن الظلم الأعظم وهو ظلمك لنفسك وتسعى لرفعتها إلى مصاف العباد الصالحين، أولئك الذين تبكي السماء والأرض لفقدهم وتبقى أياديهم البيضاء ساطعة على جبين التاريخ الإنساني ويخلدون في ضمير الإنسانية.
نبيلة الوليدي
لماذا يعمى الظالمون؟! 1807